التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَهُم بِٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ يُوقِنُونَ} (3)

ثم وصف - سبحانه - هؤلاء المؤمنين بثلاث صفات جامعة بين خيرى الدنيا والآخرة فقال :

{ الذين يُقِيمُونَ الصلاة } أى : يؤدونها فى أوقاتها المقدرة لها ، مستوفية لواجباتها وسننها وآدابها وخشوعها .

{ وَيُؤْتُونَ الزكاة } التى كلفهم الله - تعالى - بإيتائها ، بإخلاص وطيب نفس .

{ وَهُم بالآخرة هُمْ يُوقِنُونَ } والآخرة تأنيث الآخر . والمراد بها الدار الآخرة ، وسميت بذلك لأنها تأتى بعد الدنيا التى هى الدار الأولى .

وقوله : { يُوقِنُونَ } من الإيقان . وهو الاعتقاد الجازم المطابق للواقع ، بحيث لا يطرأ عليه شك ، أو تحون حوله شبهة . يقال : يقن الماء ، إذا سكن وظهر ما تحته .

ويقال : يَقِنْت من هذا الشىء يقَناً ، وأيقنت ، وتيقنت ، واستيقنت ، اعتقدت اعتقاداً جازماً من وجوده أو صحته .

أى : وهم بالدار الآخرة وما فيها من حساب وعقاب ، يوقنون إيقاناً قطعيًّا ، لا أثر فيه للادعاءات الكاذبة ، والأوهام الباطلة .

قال الجمل : ولما كان إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ، مما يتكرر ويتجدد فى أوقاتهما ، أتى بهما فعلين ، ولما كان الإيقان بالآخرة أمراً ثابتاً مطلوباً دوامه ، أتى به جملة اسمية .

وجعل خبرها مضارعاً ، للدلالة على أن إيقانهم يستمر على سبيل التجدد " .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَهُم بِٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ يُوقِنُونَ} (3)

والسورة تعرض صفة المؤمنين الذين يجدون القرآن هدى وبشرى . . إنهم هم :

( الذين يقيمون الصلاة ، ويؤتون الزكاة ، وهم بالآخرة هم يوقنون ) . .

يقيمون الصلاة . . فيؤدونها حق أدائها ، يقظة قلوبهم لموقفهم بين يدي الله ، شاعرة أرواحهم بأنهم في حضرة ذي الجلال والإكرام ، مرتفعة مشاعرهم إلى ذلك الأفق الوضيء ، مشغولة خواطرهم بنجاء الله ودعائه والتوجه إليه في محضره العظيم .

ويؤتون الزكاة . . فيطهرون نفوسهم من رذيلة الشح ؛ ويستعلون بأرواحهم على فتنة المال ؛ ويصلون إخوانهم في الله ببعض ما رزقهم الله ؛ ويقومون بحق الجماعة المسلمة التي هم فيها أعضاء .

وهم بالآخرة هم يوقنون . . فإذا حساب الآخرة يشغل بالهم ، ويصدهم عن جموح الشهوات ، ويغمر أرواحهم بتقوى الله وخشيته والحياء من الوقوف بين يديه موقف العصاة .

هؤلاء المؤمنون الذاكرون الله ، القائمون بتكاليفه ، المشفقون من حسابه وعقابه ، الطامعون فى رضائه وثوابه . . هؤلاء هم الذين تنفتح قلوبهم للقرآن ، فإذا هو هدى وبشرى . وإذا هو نور في أرواحهم ، ودفعة في دمائهم ، وحركة في حياتهم . وإذا هو زادهم الذي به يبلغون ؛ وريهم الذي به يشتفون .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَهُم بِٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ يُوقِنُونَ} (3)

{ هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ } أي : إنما تحصل الهداية والبشارة من القرآن لِمَنْ آمن به واتبعه وصدقه ، وعمل بما فيه ، وأقام الصلاة المكتوبة ، وآتى الزكاة المفروضة ، وآمن{[21958]} بالدار الآخرة والبعث بعد الموت ، والجزاء على الأعمال ، خيرها وشرها ، والجنة والنار ، كما قال تعالى : { قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ } [ فصلت : 44 ] . وقال : { لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا } [ مريم : 97 ] ؛ ولهذا قال هاهنا : { إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ } أي : يكذبون بها ، ويستبعدون وقوعها { زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ } أي : حَسَّنَّا لهم ما هم فيه ، ومددنا لهم في غَيهم فهم يَتيهون في ضلالهم . وكان هذا جزاء على ما كذبوا به من الدار الآخرة ، كما قال تعالى : { وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ } [ الأنعام : 110 ] ، { أُولَئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذَابِ } أي : في الدنيا والآخرة ، { وَهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الأخْسَرُونَ } أي : ليس يخسر أنفسهم وأموالهم سواهم من أهل المحشر .


[21958]:- في ف : "وأيقن".