التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَجَحَدُواْ بِهَا وَٱسۡتَيۡقَنَتۡهَآ أَنفُسُهُمۡ ظُلۡمٗا وَعُلُوّٗاۚ فَٱنظُرۡ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلۡمُفۡسِدِينَ} (14)

ثم بين - سبحانه - موقف فرعون وقومه من هذه المعجزات الدالة على صدق موسى فقال :

{ فَلَمَّا جَآءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُواْ هذا سِحْرٌ مُّبِينٌ . وَجَحَدُواْ بِهَا واستيقنتهآ أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً . فانظر كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المفسدين } .

وقوله { مُبْصِرَةً } من الإبصار والظهور . وهو اسم فاعل بمعنى اسم المفعول ، للإشعار بشدة وضوحها وإنارتها ، حتى لكأنها تبصر نفسها لو كانت مما يبصر ، كما يقال : ماء دافق بمعنى مدفوق .

وقوله : { وَجَحَدُواْ بِهَا } من الجحود . وهو إنكار الحق مع العلم بأنه حق ، يقال : جحد فلان حق غيره ، إذا أنكره مع علمه به .

وقوله : { واستيقنتهآ } من الإيقان وهو الاعتقاد الجازم الذى لا يطرأ عليه شك وجىء بالسين لزيادة التأكيد .

والمعنى : وذهب موسى - عليه السلام - ومعه المعجزات الدالة على صدقه ، إلى فرعون وقومه ليدعوهم إلى إخلاص العبادة لله - تعالى - وحده ، فلما جاءهم موسى بتلك المعجزات المضيئة الواضحة للدلالة على صدقه ، قالوا على سبيل العناد والغرور : هذا الذى نراه منك يا موسى ، سحر بين وظاهر فى كونه سحرا .

وجحد فرعون وقومه هذه المعجزات التى جاء بها موسى من عند ربه - تعالى - ، مع أن أنفسهم قد علمت علماً لا شك معه أنها معجزات وليست سحراً ، ولكنهم خالفوا علمهم ويقينهم { ظُلْماً } للآيات حيث أنزلوها عن منزلتها الرفيعة وسموها سحراً { وَعُلُوّاً } أى : ترفعا واستكباراً عن الإيمان بها .

{ فانظر } أيها العاقل { كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المفسدين } ؟ لقد كانت عاقبتهم أن أغرقهم الله جميعاً ، بسبب كفرهم وظلمهم وجحودهم وفسادهم فى الأرض .

وفى التعبير بقوله : { فَلَمَّا جَآءَتْهُمْ آيَاتُنَا . . } إشعار بأن هذه الآيات الدالة على صدق موسى - عليه السلام - قد وصلت إليهم بدون أن يتعبوا أنفسهم فى الذهاب إليها ، فهى جاءتهم إلى بيوتهم لكى تهديهم إلى الصراط المستقيم ، ولكنهم قابلوا ذلك بالكفر والجحود .

وأسند - سبحانه - المجىء إلى الآيات وأضافها إلى ذاته - تعالى - للإشارة إلى أنها خارجة عن أن تكون من صنع موسى ، وإنما هى من صنع الله - تعالى - ومن فعله ، و موسى ما هو إلا منفذ لما أمره ربه ، ومؤيد لما منحه إياه من معجزات دالة على صدقه فيما يبلغه عنه .

وقوله : { ظُلْماً وَعُلُوّاً } منصوبان على أنهما مفعولان لأجله ، أو على أنهما حالان من فاعل جحدوا .

أى : جحدوا الآيات مع تيقنهم أنها من عند الله ، من أجل الظلم لها والتعالى على من جاء بها ، أو : جحدوا بها حالة كونهم ظالمين لها ، ومستكبرين عنها .

وفى قوله - سبحانه - : { فانظر كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المفسدين } تسلية عظمى للرسول صلى الله عليه وسلم عما أصابه من الكافرين .

فهم كانوا كفرعون وقومه فى جحود الحق الذى جاءهم به الرسول صلى الله عليه وسلم مع يقينهم بأنه حق ، ولكن حال بينهم وبين الدخول أسباب متعددة ، على رأسها العناد ، والحسد ، والعكوف على ما كان عليه الآباء ، والكراهية لتغيير الأوضاع التى تهواها نفوسهم ، وزينتها لهم شهواتهم .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَجَحَدُواْ بِهَا وَٱسۡتَيۡقَنَتۡهَآ أَنفُسُهُمۡ ظُلۡمٗا وَعُلُوّٗاۚ فَٱنظُرۡ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلۡمُفۡسِدِينَ} (14)

وقد استيقنت نفوسهم أنها الحق الذي لا شبهة فيه : ( واستيقنتها أنفسهم ) . قالوا جحودا ومكابرة ، لأنهم لا يريدون الإيمان ، ولا يطلبون البرهان . استعلاء على الحق وظلما له ولأنفسهم بهذا الاستعلاء الذميم .

وكذلك كان كبراء قريش يستقبلون القرآن ، ويستيقنون أنه الحق ، ولكنهم يجحدونه ، ويجحدون دعوة النبي [ صلى الله عليه وسلم ] إياهم إلى الله الواحد . ذلك أنهم كانوا يريدون الإبقاء على ديانتهم وعقائدهم ، لما وراءها من أوضاع تسندهم ، ومغانم تتوافد عليهم . وهي تقوم على تلك العقائد الباطلة ، التي يحسون خطر الدعوة الإسلاميه عليها ، ويحسونها تتزلزل تحت أقدامهم ، وترتج في ضمائرهم . ومطارق الحق المبين تدمغ الباطل الواهي المريب !

وكذلك الحق لا يجحده الجاحدون لأنهم لا يعرفونه . بل لأنهم يعرفونه ! يجحدونه وقد استيقنته نفوسهم ، لأنهم يحسون الخطر فيه على وجودهم ، أو الخطر على أوضاعهم ، أو الخطر على مصالحهم ومغانمهم . فيقفون في وجهه مكابرين ، وهو اضح مبين .

( فانظر كيف كان عاقبة المفسدين ) . .

وعاقبة فرعون وقومه معروفة ، كشف عنها القرآن في مواضع أخرى . إنما يشير إليها هنا هذه الإشارة ، لعلها توقظ الغافلين من الجاحدين بالحق المكابرين فيه ، إلى عاقبة فرعون وقومه قبل أن يأخذهم ما أخذ المفسدين .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَجَحَدُواْ بِهَا وَٱسۡتَيۡقَنَتۡهَآ أَنفُسُهُمۡ ظُلۡمٗا وَعُلُوّٗاۚ فَٱنظُرۡ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلۡمُفۡسِدِينَ} (14)

{ وَجَحَدُوا بِهَا } أي : في ظاهر أمرهم ، { وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ } أي : علموا في أنفسهم أنها حق{[21976]} من عند الله ، ولكن جَحَدوها وعاندوها وكابروها ، { ظُلْمًا وَعُلُوًّا } أي : ظلما من أنفسهم ، سَجِيَّة ملعونة ، { وَعُلُوًّا } أي : استكبارًا عن اتباع الحق ؛ ولهذا قال : { فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ } أي : انظر يا محمد كيف كان عاقبة كُفرهم{[21977]} ، في إهلاك الله إياهم ، وإغراقهم عن آخرهم في صبيحة واحدة .

وفحوى الخطاب يقول : احذروا أيها المكذبون بمحمد ، الجاحدون لما جاء به من ربه ، أن يصيبكم ما أصابهم بطريق الأولى والأحرى ؛ فإن محمدًا ، صلوات الله وسلامه عليه{[21978]} أشرف وأعظم من موسى ، وبرهانه أدل وأقوى من برهان موسى ، بما آتاه الله من الدلائل المقترنة بوجوده في نفسه وشمائله ، وما سبقه من البشارات من الأنبياء به ، وأخذ المواثيق له ، عليه{[21979]} من ربه أفضل الصلاة والسلام .


[21976]:- في ف ، أ : "صدق".
[21977]:- في ف ، أ : "أمرهم".
[21978]:- في ف : "صلى الله عليه وسلم".
[21979]:- في ف : "عليهم".