التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{ٱلَّذِيٓ أَحَلَّنَا دَارَ ٱلۡمُقَامَةِ مِن فَضۡلِهِۦ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٞ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٞ} (35)

{ الذي أَحَلَّنَا دَارَ المقامة مِن فَضْلِهِ } أى : الحمد لله الذى أذهب عنا الأحزان بفضله ورحمته ، والذى { أَحَلَّنَا } أى : أنزلنا { دَارَ المقامة } أى : الدار التى لا انتقال لنا منها ، وإنما نحن سنقيم فيها إقامة دائمة وهى الجنة التى منحها إياها بفضله وكرمه .

وهذه الدار { لاَ يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ } أى : لا يصيبنا فيها تعب ولا مشقة ولا عناء . يقال : نصب فلان - كفرح - إذا نزل به التعب والإِعياء .

{ وَلاَ يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ } أى : ولا يصيبنا فيها كَلال وإعياء بسب التعب والهموم ، يقال : لَغَب فلان لَغبْاً ولُغُوباً . إذا اشتد به الإِعياء والهزال .

قال صاحب الكشاف : فإن قلت : ما الفرق بين النصَب واللُّغوب ؟

قلت : النصب ، التعب والمشقة ، التى تصيب المنتصب للأمر ، المزاول له .

وأما اللغوب ، فما يلحقه من الفتور بسبب النَصب . فالنصب : نفس المشقة والكلفة . واللغوب : نتيجة ما يحدث منه من الكلال والفتور .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ٱلَّذِيٓ أَحَلَّنَا دَارَ ٱلۡمُقَامَةِ مِن فَضۡلِهِۦ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٞ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٞ} (35)

27

( الذي أحلَّنا دار المقامة ) . . للإقامة والاستقرار ( من فضله )فما لنا عليه من حق ، إنما هو الفضل يعطيه من يشاء . ( لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب ) . . بل يجتمع لنا فيها النعيم والراحة والاطمئنان .

فالجو كله يسر وراحة ونعيم . والألفاظ مختارة لتتسق بجرسها وإيقاعها مع هذا الجو الحاني الرحيم . حتى " الحزن " لا يتكأ عليه بالسكون الجازم . بل يقال " الحزَن " بالتسهيل والتخفيف . والجنة ( دار المقامة ) . والنصب واللغوب لا يمسانهم مجرد مساس . والإيقاع الموسيقي للتعبير كله هادىء ناعم رتيب .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{ٱلَّذِيٓ أَحَلَّنَا دَارَ ٱلۡمُقَامَةِ مِن فَضۡلِهِۦ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٞ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٞ} (35)

{ الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ } : يقولون : الذي أعطانا هذه المنزلة ، وهذا المقام من فضله وَمَنِّه{[24581]} ورحمته ، لم تكن أعمالنا تساوي ذلك . كما ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لن يدخل أحدا منكم عمله الجنة " . قالوا : ولا أنت يا رسول الله ؟ قال : " ولا أنا ، إلا أن يَتَغَمَّدَنِي الله برحمة منه وفضل " . {[24582]}

{ لا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ } أي : لا يمسنا فيها عناء ولا إعياء .

والنصَب واللغوب : كل منهما يستعمل في التعب ، وكأن المراد ينفي هذا وهذا عنهم أنهم لا تعب على أبدانهم ولا أرواحهم{[24583]} ، والله أعلم . فمن ذلك أنهم كانوا يُدْئبُون أنفسهم في العبادة في الدنيا ، فسقط عنهم التكليف بدخولها ، وصاروا في راحة دائمة مستمرة ، قال الله تعالى : { كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأيَّامِ الْخَالِيَةِ } [ الحاقة : 24 ] .


[24581]:- في س : "ومنته".
[24582]:- صحيح البخاري برقم (5673) وصحيح مسلم برقم (2816).
[24583]:- في ت، أ : "ولا على أرواحهم".