التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَوَالِدٖ وَمَا وَلَدَ} (3)

وقوله - سبحانه - : { وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ } معطوف على المقسم به الأول وهو قوله - تعالى - : { بهذا البلد } . وداخل فى حيز القسم . والمراد بالوالد آدم - عليه السلام - ، والمراد بما ولد : ذريته من بعده .

أى : أقسم بهذا البلد الذى له ماله من الشرف ، والمكانة السامية بين البلاد . . وأقسم بأبيكم آدم ، وبذريته من بعده . . أو أقسم بكل والد وبكل مولود .

وجئ باسم الموصول " ما " فى قوله { وَمَا وَلَدَ } دون " من " مع أنها أكثر استعمالا فى العاقل الذى هو مراد هنا ، لأن " ما " أشد إبهاما ، وشدة الإِبهام المقصود بها هنا التفخيم والتعظيم .

وشبيه بذلك قوله - تعالى - : { فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَآ أنثى والله أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ . . . } كما أن تنكير لفظ " والد " هنا للتعظيم أيضا .

وقيل المراد بالوالد هنا : إبراهيم - عليه السلام - وبما ولد : الصالحون من ذريته .

وقيل المراد بالوالد : من يولد له ، وبقوله { وَمَا وَلَدَ } الذى لم يولد له وعليه تكون ما نافية .

وقد رجح الإِمام ابن جرير المعنى الأول فقال : والصواب من القول من ذلك ، ما قاله الذين قالوا : إن الله - تعالى - أقسم بكل والد وولده ، لأن الله - تعالى - عم كل والد وما ولد ، وغير جائز أن يخص ذلك إلا بحجة يجب التسليم لها من خبر أو عقل . ولا خبر بخصوص ذلك ولا برهان يجب التسليم له بخصوصه ، فهو على عمومه . .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَوَالِدٖ وَمَا وَلَدَ} (3)

ولعل هذا المعنى يرشح لاعتبار : ( ووالد وما ولد ) . . إشارة خاصة إلى إبراهيم ، أو إلى إسماعيل - عليهما السلام - وإضافة هذا إلى القسم بالبلد والنبي المقيم به ، وبانيه الأول وما ولد . . وإن كان هذا الاعتبار لا ينفي أن يكون المقصود هو : والد وما ولد إطلاقا . وأن تكون هذه إشارة إلى طبيعة النشأة الإنسانية ، واعتمادها على التوالد . تمهيدا للحديث عن حقيقة الإنسان التي هي مادة السورة الأساسية .

وللأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده في هذا الموضع من تفسيره للسورة في " جزء عم " لفتة لطيفة تتسق في روحها مع روح هذه " الظلال " فنستعيرها منه هنا . . قال رحمه الله :

" ثم أقسم بوالد وما ولد ، ليلفت نظرنا إلى رفعة قدر هذا الطور من أطوار الوجود - وهو طور التوالد - وإلى ما فيه من بالغ الحكمة وإتقان الصنع ، وإلى ما يعانيه الوالد والمولود في إبداء النشء وتكميل الناشئ ، وإبلاغه حده من النمو المقدر له .

" فإذا تصورت في النبات كم تعاني البذرة في أطوار النمو : من مقاومة فواعل الجو ، ومحاولة امتصاص الغذاء مما حولها من العناصر ، إلى أن تستقيم شجرة ذات فروع وأغصان ، وتستعد إلى أن تلد بذرة أو بذورا أخرى تعمل عملها ، وتزين الوجود بجمال منظرها - إذا أحضرت ذلك في ذهنك ، والتفت إلى ما فوق النبات من الحيوان والإنسان ، حضر لك من أمر الوالد والمولود فيهما ما هو أعظم ، ووجدت من المكابدة والعناء الذي يلاقيه كل منهما في سبيل حفظ الأنواع ، واستبقاء جمال الكون بصورها ما هو أشد وأجسم " . . انتهى . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَوَالِدٖ وَمَا وَلَدَ} (3)

وقوله : { وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ } قال ابن جرير : حدثنا أبو كُرَيْب ، حدثنا ابن عطية ، عن شريك ، عن خصِيف ، عن عكرمة ، عن ابن عباس في قوله : { وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ } الوالد : الذي يلد ، وما ولد : العاقر الذي لا يولد له .

ورواه [ ابن جرير و ]{[30078]} ابن أبي حاتم ، من حديث شريك - وهو ابن عبد الله القاضي - به .

وقال عكرمة : الوالد : العاقر ، وما ولد : الذي يلد . رواه ابن أبي حاتم .

وقال مجاهد ، وأبو صالح ، وقتادة ، والضحاك ، وسفيان الثوري ، وسعيد بن جبير ، والسدي ، والحسن البصري ، وخُصيف ، وشرحبيل بن سعد وغيرهم : يعني بالوالد آدم ، وما ولد ولده .

وهذا الذي ذهب إليه مجاهد وأصحابه حَسَنٌ قوي ؛ لأنه تعالى لما أقسم بأم القرى وهي المساكن أقسم بعده بالساكن ، وهو آدم أبو البشر وولده .

وقال أبو عمران الجوني : هو إبراهيم وذريته . رواه ابن جرير ، وابن أبي حاتم .

واختار ابن جرير أنه عام في كل والد وولده . وهو محتمل أيضا .


[30078]:- (1) زيادة من أ.