ثم أرشده إلى ما كان يجب عليه أن يقوله عند دخوله جنته فقال : { ولولا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَآءَ الله لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بالله . . . } .
قال الإمام ابن كثير : هذا تحضيض وحث على ذلك . أى : هلا إذ أعجبتك جنتك حين دخلتها ونظرت إليها ، حمدت الله على ما أنعم به عليك وأعطاك من المال والولد ما لم يعط غيرك وقلت { مَا شَآءَ الله لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بالله } ، ولهذا قال بعض السلف : من أعجبه شئ من حاله أو ولده أو ماله ، فليقل : ما شاء الله لا قوة إلا بالله . . وهذا مأخوذ من هذه الآية الكريمة . وقد روى فيه حديث مرفوع . . فعن أنس - رضى الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما أنعم الله على عبد نعمة من أهل أو مال أو ولد فيقول : ما شاء الله لا قوة إلا بالله ، فيرى فيه آفة دون الموت " .
وقال الآلوسى : وقوله : " ما شاء الله ، أى : الأمر ما شاء الله ، أو ما شاء الله - تعالى - كائن ، على أن " ما " موصولة مرفوعة المحل . إما على أنها خبر مبتدأ محذوف . أو على أنها مبتدأ محذوف الخبر . . وأيما كان فالمراد تحضيضه على الاعتراف بأن جنته وما فيها بمشيئة الله - تعالى - إن شاء أبقاها وإن شاء أبادها
القول في تأويل قوله تعالى : { وَلَوْلآ إِذْ دَخَلْتَ جَنّتَكَ قُلْتَ مَا شَآءَ اللّهُ لاَ قُوّةَ إِلاّ بِاللّهِ إِن تَرَنِ أَنَاْ أَقَلّ مِنكَ مَالاً وَوَلَداً } .
يقول عزّ ذكره : وهلا إذ دخلت بستانك ، فأعجبك ما رأيت منه ، قلت ما شاء الله كان وفي الكلام محذوف استغني بدلالة ما ظهر عليه منه ، وهو جواب الجزاء ، وذلك كان .
وإذا وجه الكلام إلى هذا المعنى الذي قلنا كانت «ما » نصبا بوقوع فعل الله عليه ، وهو شاء وجاز طرح الجواب ، لأن معنى الكلام معروف ، كما قيل : فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض ، وترك الجواب ، إذ كان مفهوما معناه . وكان بعض أهل العربية يقول «ما » من قوله : ما شاءَ اللّهُ في موضع رفع بإضمار هو ، كأنه قيل : قلت هو ما شاء الله لا قُوّةَ إلاّ باللّهِ يقول : لا قوّة على ما نحاول من طاعته إلا به . وقوله : إنْ تَرَنِ أنا أقَلّ مِنْكَ مالاً وَوَلَدا وهو قول المؤمن الذي لا مال له ، ولا عشيرة ، مثل صاحب الجنتين وعشيرته ، وهو مثل سَلْمان وصُهَيب وَخباب ، يقول : قال المؤمن للكافر : إن ترن أيها الرجل أنا أقلّ منك مالاً وولدا فإذا جعلت أنا عمادا نصبت أقل ، وبه القراءة عندنا ، لأن عليه قراءة الأمصار ، وإذا جعلته اسما رفعت أقل .
{ ولو لا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله }
عطف جملة { ولولا إذ دخلت } على جملة { أكفرت } عطف إنكار على إنكار . و ( لولا ) للتوبيخ ، كشأنها إذا دخلت على الفعل الماضي ، نحو { لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء } [ النور : 13 ] ، أي كان الشأن { أن تقول ما شاء الله لا قوة إلا بالله } عوض قولك : { ما أظن أن تبيد هذه أبداً وما أظن الساعة قائمة } [ الكهف : 36 ] . والمعنى : أكفرت بالله وكفرت نعمته .
و ( ما ) من قوله : { ما شاء الله } أحسن ما قالوا فيها إنها موصولة ، وهي خبر عن مبتدأ محذوف يدل عليه ملابسة حال دخول الجنة ، أي هذه الجنة مَا شاء الله ، أي الأمر الذي شاء الله إعطاءه إياي .
وأحسن منه عندي : أن تكون ( ما ) نكرة موصوفة . والتقدير : هذه شيء شاء الله ، أي لي .
وجملة { لا قوة إلا بالله } تعليل لكون تلك الجنة من مشيئة الله ، أي لا قوة لي على إنشائها ، أو لا قوة لمن أنشأها إلا بالله ، فإن القوى كلها موهبة من الله تعالى لا تؤثر إلا بإعانته بسلامة الأسباب والآلات المفكرة والصانعة . فما في جملة { لا قوة إلا بالله } من العُموم جعلها كالعلة والدليلِ لكون تلك الجنة جزئياً من جزئيات منشئات القوى البشرية الموهوبة للناس بفضل الله .
{ إِن تَرَنِ أَنَاْ أَقَلَّ مِنكَ مَالاً وَوَلَدًا }
جملة ابتدائية رَجع بها إلى مجاوبة صاحبه عن قوله : { أنا أكثر منك مالاً وأعز نفراً } [ الكهف : 34 ] ، وعظه فيها بأنه لا يدري أن تصير كثرة ماله إلى قلة أو إلى اضمحلال ، وأن يصير القليلُ مالُه ذا مال كثير .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.