التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَجَعَلۡنَٰهُمۡ سَلَفٗا وَمَثَلٗا لِّلۡأٓخِرِينَ} (56)

و{ سَلَفاً } أى : قدوة لمن بعدهم من الكفر فى استحقساق مثل عقوبتهم . وهو مصدر وصف به على سبيل المبالغة ، ولذا يطلق على القليل والكثيرز يقال : سلفه الشئ سلفا ، إذا تقدم ومضى . وفلان سلف له عمل صالح ، أى : تقدم له عمل صالح ومنه : الأسلاف ، أى : المتقدمون على غيرهم .

{ فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً } أى قدوة لمن بعدهم فى الكفر فى استحقاق مثل عقوبتهم كما جعلناهم { مَثَلاً } أى : عبرة وموعظة { لِّلآخِرِينَ } الذين يعملون مثل أعمالهم . .

وبذلك نرى فى هذه الآيات الكريمة ، جانبا من قصة موسى - عليه السلام - مع فرعون وملئه .

ويتجلى فى هذا الجانب من القصة طغيان فرعون ، واستخافه بعقول قومه ، ومجاهرته بالكذب والفجور . . . فكانت عاقبتهم جميعا الدمار والبوار .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَجَعَلۡنَٰهُمۡ سَلَفٗا وَمَثَلٗا لِّلۡأٓخِرِينَ} (56)

26

وجعلهم الله سلفاً يتبعه كل خلف ظالم ( ومثلاً للآخرين )الذين يجيئون بعدهم ، ويعرفون قصتهم ، فيعتبرون . .

وهكذا تلتقي هذه الحلقة من قصة موسى - عليه السلام - بالحلقة المشابهة لها من قصة العرب في مواجهة رسولهم الكريم . فتثبت الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] والمؤمنين معه ؛ وتحذر المشركين المعترضين ، وتنذرهم مصيراً كمصير الأولين . .

وتلتقي الحقيقة في عرض القصة ، بالتناسق بين الحلقة المعروضة والحال القائمة والغاية من إيرادها في هذه الحال القائمة . وتصبح القصة بهذا أداة للتربية في المنهج الإلهي الحكيم .

ثم ينتقل السياق من هذه الحلقة في قصة موسى ، إلى حلقة من قصة عيسى ، بمناسبة جدل القوم حول عبادتهم للملائكة وعبادة بعض أهل الكتاب للمسيح . . وذلك في الدرس الأخير

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَجَعَلۡنَٰهُمۡ سَلَفٗا وَمَثَلٗا لِّلۡأٓخِرِينَ} (56)

القول في تأويل قوله تعالى : { فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لّلاَخِرِينَ * وَلَمّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدّونَ } .

اختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء الكوفة غير عاصم «فَجَعَلْناهُمْ سُلُفا » بضم السين واللام ، توجيها ذلك منهم إلى جمع سليف من الناس ، وهو المتقدّم أمام القوم . وحَكى الفراء أنه سمع القاسم بن معن يذكر أنه سمع العرب تقول : مضى سليف من الناس . وقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة وعاصم : فَجَعَلْناهُمْ سَلَفا بفتح السين واللام . وإذا قُرىء كذلك احتمل أن يكون مرادا به الجماعة والواحد والذكر والأنثى ، لأنه يُقال للقوم : أنتم لنا سلف ، وقد يُجمع فيقال : هم أسلاف ومنه الخبر الذي رُوي رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : «يَذْهَب الصّالِحُونَ أَسْلافا » . وكان حُميد الأعرج يقرأ ذلك : «فَجَعَلْناهُمْ سُلَفا » بضم السين وفتح اللام ، توجيها منه ذلك إلى جمع سلفة من الناس ، مثل أمة منهم وقطعة .

وأولى القراءات في ذلك بالصواب قراءة من قرأه بفتح السين واللام ، لأنها اللغة الجوداء ، والكلام المعروف عند العرب ، وأحقّ اللغات أن يُقرأ بها كتاب الله من لغات العرب أفصحها وأشهرها فيهم . فتأويل الكلام إذن : فجعلنا هؤلاء الذين أغرقناهم من قوم فرعون في البحر مقدّمة يتقدمون إلى النار ، كفار قومك يا محمد من قريش ، وكفار قومك لهم بالأثر . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : فَجَعَلْناهُمْ سَلَفا وَمَثَلاً للاَخرِين قال : قوم فرعون كفارهم سلفا لكفار أمة محمد صلى الله عليه وسلم .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة فَجَعَلْناهُمْ سَلَفا في النار .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر : فَجَعلْناهُمْ سَلَفا قال : سلفا إلى النار .

وقوله : وَمَثَلاً للاَخِرِينَ يقول : وعبرة وعظة يتعظ بهم مَنْ بعدهم من الأمم ، فينتهوا عن الكفر بالله . وبمثل الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد وَمَثَلاً للاَخِرِينَ قال : عبرة لمن بعدهم .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة وَمَثَلاً للاَخِرِينَ : أي عظة للاَخرين .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَمَثَلاً للاَخِرِينَ : أي عظة لمن بعدهم .

حدثنا محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ فَجَعَلْناهُمْ سَلَفا وَمَثَلاً قال : عبرة .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَجَعَلۡنَٰهُمۡ سَلَفٗا وَمَثَلٗا لِّلۡأٓخِرِينَ} (56)

وقرأ جمهور القراء : «سَلَفاً » بفتح السين واللام جمع سالف ، كحارس وحرس . والسلف : هو الفارط من الأمم المتقدم ، أي جعلناهم متقدمين للأمم الكافرة عظة ومثلاً لهم يعتبرون بهم ، أو يقعون فيما وقعوا فيه ، ومن هذه اللفظة قول النبي عليه السلام : «يذهب الصالحون أسلافاً » ، وقوله في ولده إبراهيم : «ندفنه عند سلفنا الصالح عثمان بن مظعون » . وقرأ حميد الأعرج وحمزة والكسائي : «سُلُفاً » بضم السين واللام ، وهي قراءة عبد الله وأصحابه وسعد بن عياض وابن كثير ، وهو جمع : سليف . وذكر الطبري عن القاسم بن معن أنه سمع العرب تقول : مضى سلف من الناس ، بمعنى السلف . وقرأ علي بن أبي طالب وحميد الأعرج أيضاً : «سُلَفاً » بضم السين وفتح اللام ، كأنه جمع سلفة ، بمعنى الأمة والقطعة . والآخرون : هو من يأتي من البشر إلى يوم القيامة .