ثم أضاف - سبحانه - إلى كل ما سبق من تحذيرات ، زواجر أخرى فقال : { كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ اليقين . لَتَرَوُنَّ الجحيم . ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ اليقين } .
وجواب " لو " محذوف لقصد التهويل ، و " اليقين " فعيل بمعنى مفعول ، وعلم اليقين هو العلم الجازم المطابق للواقع الذي لا شك فيه . والإِضافة فيه من إضافة الموصوف إلى الصفة ، أو من إضافة العام إلى الخاص .
أي : لو تعلمون - علما موثوقا به - سوء عاقبة انشغالكم عن ذكر الله - تعالى - وتكاثركم وتفاخركم بالأموال والأولاد ، لشغلكم هذا العلم اليقيني عما أنتم عليه من التشاغل والتكاثر .
فالمقصود بهذه الجملة الكريمة : الزيادة فى ردعهم ؛ لأنه من عادة الغافلين المكابرين أنك إذا ذكرتهم بالحق وبالرشاد . . زعموا أنهم ليسوا فى حاجة إلى هذا الإرشاد ؛ لأنهم أهل علم ومعرفة بالعواقب ، فكانت هذه الآية الكريمة بمثابة تنبيههم بأنهم ليسوا على شيء من العلم الصحيح ؛ لأنهم لو كانوا كذلك لما تفاخروا ، ولما تكاثروا .
وقوله : { كَلاّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ } يقول تعالى ذكره : ما هكذا ينبغي أن تفعلوا ، أن يلهيكم التكاثر أيها الناس ، لو تعلمون أيها الناس علما يقينا أن الله باعثكم يوم القيامة من بعد مماتكم ، من قبوركم ، ما ألهاكم التكاثر عن طاعة الله ربكم ، ولسارعتم إلى عبادته ، والانتهاء إلى أمره ونهيه ، ورفض الدنيا ، إشفاقا على أنفسكم من عقوبته . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة { كَلاّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ } كنا نحدّث أن علم اليقين أن يعلم أنّ الله باعثه بعد الموت .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
{ كَلاّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ } يقول تعالى ذكره : ما هكذا ينبغي أن تفعلوا ، أن يلهيكم التكاثر أيها الناس ، لو تعلمون أيها الناس علما يقينا أن الله باعثكم يوم القيامة من بعد مماتكم ، من قبوركم ، ما ألهاكم التكاثر عن طاعة الله ربكم ، ولسارعتم إلى عبادته ، والانتهاء إلى أمره ونهيه ، ورفض الدنيا ، إشفاقا على أنفسكم من عقوبته . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل ...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
يعني بهذا - والله أعلم - إبطال ما كانوا عليه من الظنون والحسبان في هذه الدنيا . ألا ترى إلى قوله تعالى : { ما ندري ما الساعة إن نظن إلا ظنا } ؟ ( الجاثية : 32 ) فإذا نزل بهم العذاب تحقق عندهم ، وعلموا علما يقينا . فقال بعضهم : { كلا سوف تعلمون } حين نزل بكم الموت { ثم كلا سوف تعلمون } في القبر ...
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
ومعناه ارتدعوا وانزجروا ، لو تعلمون علم اليقين ، وهو الذي يثلج الصدر بعد اضطراب الشك ...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
ثم كرّر التنبيه أيضاً وقال : { لَّوْ تَعْلَمُونَ } محذوف الجواب ، يعني : لو تعلمون ما بين أيديكم علم الأمر اليقين - أي : كعلمكم ما تستيقنونه من الأمور التي وكلتم بعملها هممكم - لفعلتم ما لا يوصف ولا يكتنه ؛ ولكنكم ضلال جهلة . ...
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
أي لازدجرتم وبادرتم إنقاذ أنفسكم من الهلكة ، و { اليقين } أعلى مراتب العلم . ...
واعلم أن ترك الجواب في مثل هذا المكان أحسن ، يقول الرجل للرجل : لو فعلت هذا، أي لكان كذا ، قال الله تعالى : { لو يعلم الذين كفروا حين لا يكفون عن وجوههم النار ولا عن ظهورهم } ولم يجيء له جواب وقال : { ولو ترى إذ وقفوا على ربهم }. إذا عرفت هذا فنقول : ذكروا في جواب لو وجوها؛
( أحدها ) : قال الأخفش : { لو تعلمون علم اليقين } ما ألهاكم التكاثر.
( وثانيها ) : قال أبو مسلم لو علمتم ماذا يجب عليكم لتمسكتم به أو لو علمتم لأي أمر خلقتم لاشتغلتم به.
( وثالثها ) : أنه حذف الجواب ليذهب الوهم كل مذهب فيكون التهويل أعظم ...
التفسير القيم لابن القيم 751 هـ :
وإنما وجد هذا التكاثر وإلهاؤه عما هو أولى بكم لما فقد منكم علم اليقين ، وهو العلم الذي يصل به صاحبه إلى حد الضروريات ، التي لا يشك ولا يمارى في صحتها وثبوتها . ولو وصلت حقيقة هذا العلم إلى القلب وباشرته لما ألهاه عن موجبه ، ولترتب أثره عليه . فإن مجرد العلم بقبح الشيء وسوء عواقبه قد لا يكفي في تركه . فإذا صار له علم اليقين كان اقتضاء هذا العلم لتركه أشد . فإذا صار عين يقين ، كجملة المشاهدات ، كان تخلف موجبه عنه أندر شيء .
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{ كلا } أي ليشتد ارتداعكم عن التكاثر ، فإنه أساس كل بلاء ، فإنكم { لو تعلمون } أيها المتكاثرون . ولما كان العلم قد يطلق على الظن رفع مجازه بقوله : { علم اليقين } ، أي لو يقع لكم علم على وجه اليقين مرة من الدهر لعلمتم ما بين أيديكم ، فلم يلهكم التكاثر ....فحذف هذا الجواب بعد حذف المفعول للتفخيم ، فهو إشارة إلى أنه لا يقين غيره ، والمعنى أن أعمالكم أعمال من لا يتيقنه ....
أضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن للشنقيطي 1393 هـ :
...وقد قدمنا مراتب العلم الثلاث : علم اليقين ، وعين اليقين ، وحق اليقين .
وعين اليقين : ما كان عن مشاهدة .
وحق اليقين : ما كان عن ملابسة ومخالطة ، كما يحصل العلم بالكعبة ، وجهتها فهو علم اليقين ، فإذا رآها فهو عين اليقين بوجودها ، فإذا دخلها وكان في جوفها فهو حق اليقين بوجودها . واللَّه تعالى أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.