وهنا نجد مريم تبدأ فى الدفاع عن نفسها ، عن طريق وليدها { فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ } .
أى : فأشارت إلى ابنها عيسى ، ولسان حالها يقول لهم : وجهوا كلامكم إليه فإنه سيخبركم بحقيقة الأمر .
ولكنهم لم يقتنعوا بإشارتها بل قالوا لها : { كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي المهد صَبِيّاً } .
والمهد : اسم للمضطجع الذى يهيأ للصبى فى رضاعه . وهو فى الأصل مصدر مهده يمهده إذا بسطه وسواه .
أى : كيف نكلم طفلاً صغيراً ما زال فى مهده وفى حال رضاعه .
والفعل الماضى وهو { كَانَ } ها هنا بمعنى الفعل المضارع المقترن بالحال ، كما يدل عليه سياق القصة .
القول في تأويل قوله تعالى : { فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُواْ كَيْفَ نُكَلّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً } .
يقول تعالى ذكره : فلما قال قومها ذلك لها قالت لهم ما أمرها عيسى بقيله لهم ، ثم أشارت لهم إلى عيسى أن كلّموه ، كما :
حدثنا موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قال : لما قالوا لها : ما كانَ أبُوكِ امْرأَ سَوْءٍ وَما كانَتْ أُمّكِ بَغِيّا قالت لهم ما أمرها الله به ، فلما أرادوها بعد ذلك على الكلام أشارت إليه ، إلى عيسى .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : فأشارَتْ إلَيهِ قال : أمرتهم بكلامه .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عمن لا يتهم ، عن وهب بن منبه فأشارَتْ إلَيهِ يقول : أشارت إليه أن كلّموه .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قوله فأشارَتْ إلَيهِ أن كَلّموه .
وقوله : قالُوا كَيْفَ نُكَلّمُ مَنْ كانَ فِي المَهْدِ صَبِيّا يقول تعالى ذكره : قال قومها لها : كيف نكلم من وُجد في المهد ؟ وكان في قوله مَنْ كانَ فِي المَهْدِ صَبِيّا معناها التمام ، لا التي تقتضي الخبر ، وذلك شبيه المعنى بكان التي في قوله هَلْ كُنْتُ إلاّ بَشَرا رَسُولاً وإنما معنى ذلك : هل أنا إلا بشر رسول ؟ وهل وجدت أو بعثت وكما قال زهير بن أبي سُلْمَى :
زَجَرْتُ علَيْهِ حُرّةً أرْحَبِيّةً *** وَقَدْ كانَ لَوْنُ اللّيْلِ مِثْلَ الأرَنْدَجِ
بمعنى : وقد صار أو وُجد . وقيل : إنه عني بالمهد في هذا الموضع : حجر أمه . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة مَنْ كانَ فِي المَهْدِ صَبِيّا والمهد : الحجر .
قال أبو جعفر : وقد بيّنا معنى المهد فيما مضى بشواهده ، فأغنى عن إعادته في هذا الموضع .
التزمت مريم عليها السلام ما أمرت به من ترك الكلام ولم يرد في هذه الآية أنها نطقت ب { إني نذرت للرحمن صوماً } [ مريم : 26 ] وإنما ورد انها { أشارت إليه } فيقوى بهذا القول من قال إن أمرها ب «قولي » إنما أريد به الإشارة ، ويروى أنهم لما أشارت إلى الطفل قالوا استخفافها بنا أشد علينا من زناها ، ثم قالوا لها على جهة التقرير { كيف نكلم من كان في المهد صبياً } وإنما هي في معنى هو ويحتمل أن تكون الناقصة والأظهر أنها التامة وقد قال أبو عبيدة { كان } هنا لغو{[7949]} ، وقال الزجاج والفراء { مَنْ } شرطية في قوله { من كان }{[7950]} «ع » ونظير كان هذه قول رؤية : [ الرجز ]
أبعد ان لاح بك القتير . . . والرأس قد كان له شكير
و { صبياً } إما خبر { كان } على تجوز وتخيل في كونها ناقصة ، وإما حال يعمل فيه الاستقرار المقدر في الكلام{[7951]} . وروي أن { المهد } يراد به حجر أمه قال لهم عيسى من مرقده .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.