ثم بين لهم الأسباب التي دعه إلى تحديهم وتبكيتهم فقال { إِنَّ وَلِيِّيَ الله الذي نَزَّلَ الكتاب وَهُوَ يَتَوَلَّى الصالحين } .
أى : قل يا محمد لهؤلاء الضالين إننى ما تحديتكم وطلبت كيدكم وكيد أصنامكم - إن كنتم أنتم وهم تقدرون على ذلك على سبيل الفرض - إلا لأنى معتز بالله وحده ، فهو ناصرى ومتولى أمرى ، وهو الذي نزل هذا القرآن لأخرجكم به من الظلمات إلى النور ، وقد جرت سنته - سبحانه - أن يتولى الصالحين وأن يجعل العاقبة لهم .
قال الحسن البصرى : إن المشركين كانوا يخوفون الرسول صلى الله عليه وسلم بآلهتهم فقال - تعالى - { قُلِ ادعوا شُرَكَآءَكُمْ } الآية - ليظهر لكم أنه لا قدرة لها على إيصال المضار إلى بوجه من الوجوه . وهذا كما قال هود - عليه السلام - لقومه رداً على قولهم . { إِن نَّقُولُ إِلاَّ اعتراك بَعْضُ آلِهَتِنَا بسواء قَالَ إني أُشْهِدُ الله واشهدوا أَنِّي برياء مِّمَّا تُشْرِكُونَ مِن دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ }
وفي نهاية هذه المحاجة يوجه الله سبحانه رسوله [ ص ] : أن يتحداهم ويتحدى آلهتهم العاجزة - كلها - وأن يعلن عن عقيدته الناصعة في تولي الله - وحده - له :
( قل : ادعوا شركاءكم ثم كيدون فلا تنظرون . إن وليي الله الذي نزل الكتاب ، وهو يتولى الصالحين . والذين تدعون من دونه لا يستطيعون نصركم ولا أنفسهم ينصرون . . وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا ، وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون ) . .
إنها كلمة صاحب الدعوة ، في وجه الجاهلية . . ولقد قالها رسول الله [ ص ] كما أمره ربه ؛ وتحدى بها المشركين في زمانه وآلهتهم المدعاة :
( قل ادعوا شركاءكم ثم كيدون فلا تنظرون ) . .
لقد قذف في وجوههم ووجوه آلهتهم المدعاة بهذا التحدي . . وقال لهم : ألا يألوا جهداً في جمع كيدهم وكيد آلهتهم ؛ بلا إمهال ولا إنظار ! وقالها في لهجة الواثق المطمئن إلى السند الذي يرتكن إليه ، ويحتمي به من كيدهم جميعاً :
فأعلن بها عمن إليه يرتكن . إنه يرتكن إلى الله . . الذي نزل الكتاب . . فدل بتنزيله على إرادته - سبحانه - في أن يواجه رسوله الناس بالحق الذي فيه ؛ كما قدر أن يعلي هذا الحق على باطل المبطلين . . وأن يحمي عباده الصالحين الذين يبلغونه ويحملونه ويثقون فيه .
وإنها لكلمة صاحب الدعوة إلى الله - بعد رسول الله [ ص ] - في كل مكان وفي كل زمان :
( قل : ادعوا شركاءكم ثم كيدون فلا تنظرون ) . . ( إن وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين ) .
إنه لا بد لصاحب الدعوة إلى الله أن يتجرد من أسناد الأرض ؛ وأن يستهين كذلك بأسناد الأرض
إنها في ذاتها واهية واهنة ، مهما بدت قوية قادرة : ( يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له : إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له ، وإن يسلبهم الذباب شيئاً لا يستنقذوه منه . ضعف الطالب والمطلوب ! ) . . ( مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتاً ، وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون ! ) . .
وصاحب الدعوة إلى الله يرتكن إلى الله . فما هذه الأولياء والأسناد الأخرى إذن ؟ وماذا تساوي في حسه ؛ حتى لو قدرت على أذاه ؟ ! إنما تقدر على أذاه بإذن ربه الذي يتولاها . لا عجزاً من ربه عن حمايته من أذاها _ سبحانه وتعالى _ ولا تخلياً منه سبحانه عن نصرة أوليائه . . ولكن ابتلاء لعباده الصالحين للتربية والتمحيص والتدريب . واستدراجاً لعباده الطالحين للإعذار والإمهال والكيد المتين !
لقد كان أبو بكر - رضي الله عنه - يردد ، والمشركون يتناولونه بالأذى ؛ ويضربون وجهه الكريم بالنعال المخصوفة يحرفونها إلى عينيه ووجهه ، حتى تركوه وما يعرف له فم من عين ! . . كان يردد طوال هذا الاعتداء المنكر الفاجر على أكرم من أقلت الأرض بعد رسول الله [ ص ] : " رب ما أحلمك ! رب ما أحلمك ! رب ما أحلمك ! . . . " كان يعرف في قراره نفسه ما وراء هذا الأذى من حلم ربه ! لقد كان واثقاً أن ربه لا يعجز عن التدمير على أعدائه ؛ كما كان واثقاً أن ربه لا يتخلى عن أوليائه !
ولقد كان عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - يقول ، وقد تناوله المشركون بالأذى - لأنه أسمعهم القرآن في ناديهم إلى جوار الكعبة - حتى تركوه وهو يترنح لا يصلب قامته ! . . كان يقول بعد هذا الأذى المنكر الفاجر الذي ناله : " والله ما كانوا أهون عليّ منهم حينذاك ! " . . كان يعرف أنهم يحادون الله - سبحانه - وكان يستيقن أن الذي يحاد الله مغلوب هين على الله . فينبغي أن يكون مهيناً عند أولياء الله .
ولقد كان عبد الله بن مظعون - رضي الله عنه - يقول ، وقد خرج من جوار عتبة بن ربيعة المشرك ، لأنه لم يستسغ لنفسه أن يحتمي بجوار مشرك فكيف عنه الأذى ، وإخوان له في الله يؤذون في سبيل الله . وقد تجمع عليه المشركون - بعد خروجه من جوار عتبة - فآذوه حتى خسروا عينه . . كان يقول لعتبة وهو يراه في هذه الحال فيدعوه أن يعود إلى جواره : " لأنا في جوار من هو أعز منك ! " . . وكان يرد على عتبة إذ قال له : " يا ابن أخي لقد كانت عينك في غنى عمَّا أصابها ! " . . يقول : " لا والله . وللأخرى أحق لما يصلحها في سبيل الله ! " . . كان يعلم أن جوار ربه أعز من جوار العبيد . وكان يستيقن أن ربه لا يتخلى عنه ، ولو تركه يؤذى في سبيله هذا الأذى لترتفع نفسه إلى هذا الأفق العجيب : " لا والله . وللأخرى أحق لما يصلحها في سبيل الله " . .
هذه نماذج من ذلك الجيل السامق الذي تربى بالقرآن في حجر محمد [ ص ] في ظلال ذلك التوجيه الرباني الكريم :
( قل : ادعوا شركاءكم ثم كيدون فلا تنظرون . إن وليي الله الذي نزل الكتاب ، وهو يتولى الصالحين ) . .
ثم ماذا كان بعد هذا الأذى الذي احتملوه من كيد المشركين . وهذا الاعتصام بالله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين ؟
كان ما يعرفه التاريخ ! كانت الغلبة والعزة والتمكين لأولياء الله . وكانت الهزيمة والهوان والدثور للطواغيت الذين قتلهم الصالحون . وكانت التبعية ممن بقي منهم - ممن شرح الله صدره للإسلام - لهؤلاء السابقين ، الذين احتملوا الأذى بثقة في الله لا تتزعزع ، وبعزمة في الله لا تلين !
إن صاحب الدعوة إلى الله - في كل زمان وفي كل مكان - لن يبلغ شيئاً إلا بمثل هذه الثقة ، وإلا بمثل هذه العزمة ، وإلا بمثل ذلك اليقين :
القول في تأويل قوله تعالى : { إِنّ وَلِيّيَ اللّهُ الّذِي نَزّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلّى الصّالِحِينَ } . .
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل يا محمد للمشركين من عبدة الأوثان : إنّ ولي نصيري ومعيني وظهيري عليكم الله الذي نزّل الكتاب عليّ بالحقّ ، وهو الذي يتولى من صلح عمله بطاعته من خلقه .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد للمشركين من عبدة الأوثان:"إنّ وليي": نصيري ومعيني وظهيري عليكم الله "الذي نزّل الكتاب "عليّ بالحقّ، وهو الذي يتولى من صلح عمله بطاعته من خلقه.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
وقوله تعالى: {إن وليّي الله الذي نزّل الكتاب} الآية ذكر هذا على إثر قوله {ثم كيدوني فلا تنظرون} كما ذكر هود {إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون إني توكلت على الله ربي وربكم} [هود: 54-56] وكما قال نوح {إن كان كبر عليكم مقامي وتذكيري بآيات الله فعلى الله توكلت فأجمعوا أمركم وشركاءكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمّة ثم اقضوا إليّ ولا تنظرون} [يونس: 71] فزعوا إلى الله عز وجل عند وعيد قومهم بالإهلاك، وعليه اعتمدوا، وبه وثقوا. فعلى ذلك رسول الله حين قال: {إن وليّي الله الذي نزّل الكتاب وهو يتولّى الصالحين} أي [وهو] وليّي يحفظني، وهو يتولّى حفظ الصالحين، أي بتولّيه صلحوا، أو يتولّى ويحفظ الصالحين معا. بل هو وليّ من ذكرنا من الرسل وقومهم. ثم قوله تعالى: {إن وليّي الله} يحتمل حافظي وناصري، أو وليّ تدبيري {الله الذي نزّل الكتاب} ووليّ أمري أو أولى بي {الله الذي نزّل الكتاب} الذي عجزت الخلائق عن إتيان مثله {وهو يتولّى الصالحين}...
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
أمر الله تعالى نبيه (صلى الله عليه وآله) أن يقول للمشركين:"إن وليي الله الذي" يحفظني وينصرني ويحوطني ويدفع شرككم عني هو الله الذي خلقني وإياكم جميعا ويملكني ويملككم الذي نزل القرآن، وهو ينصر الصالحين الذين يطيعونه ويجتنبون معاصيه تارة بالحجة وأخرى بالدفع عنهم...
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
مَنْ قام بحقِّ الله تولَّى أمورَه على وجه الكفاية، فلا يخرجه إلى مثاله، ولا يَدَعُ شيئاً من أحواله إلاَّ أجراه على ما يريده بِحُسْنِ أفضاله، فإن لم يفعل ما يريده جعل العبدَ راضياً بما يفعل، ورَوْحُ الرضا على الأسرار أتَمُّ من راحة العطاء على القلوب...
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
وقوله تعالى: {إن وليي الله...} أحالهم على الاستنجاد بآلهتهم في ضره وأراهم أن الله هو القادر على كل شيء لا تلك، عقب ذلك بالإسناد إلى الله والتوكل عليه بأنه وليه وناصره
اعلم أنه لما بين في الآيات المتقدمة أن هذه الأصنام لا قدرة لها على النفع والضر،بيّن بهذه الآية أن الواجب على كل عاقل عبادة الله تعالى، لأنه هو الذي يتولى تحصيل منافع الدين ومنافع الدنيا؛ أما تحصيل منافع الدين، فبسبب إنزال الكتاب، وأما تحصيل منافع الدنيا، فهو المراد بقوله: {وهو يتولى الصالحين}...
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي 741 هـ :
ثم وصف الله بأنه الذي أنزل الكتاب وبأنه يتولى الصالحين وفي هذين الوصفين استدلال على صدق النبي صلى الله عليه وسلم بإنزال الكتاب عليه، وبأن الله تولى حفظه، ومن تولى حفظه فهو من الصالحين والصالح لا بد أن يكون صادقا في قوله: ولا سيما فيما يقوله عن الله...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
قدم الدين إشارة إلى أنه الأهم فقال مؤكداً في مقابلة إنكارهم: {إن وليّي} أي ناصري ومتولي جميع أموري {الله} أي الجامع لصفات الكمال {الذي نزل} أي بحسب التدريج متكفلاً بفصل الوقائع {الكتاب} أي الجامع لعلوم الأولين والآخرين وأمر المعاش والمعاد وأحوال الدارين وكل ما فيه صلاح من أحوال القلوب وغيرها الذي عجزتم بأجمعكم ومن دعيتم شركته عن معارضة شيء منه. ولما تكفل هذا التنزيل بجميع الصفات، وهي الحياة التامة المستلزمة للإرادة والقدرة والعلم والسمع والبصر والكلام، وكان عجزهم عن المعارضة للكتاب دليلاً شهودياً قولياً على كذبهم، أتبع ذلك دليلاً آخر شهودياً فعلياً فقال: {وهو} أي وحده {يتولى} أي يلي ولاية تامه {الصالحين} أي كلهم بنصرهم على كل مناو وكفايتهم لكل مهم وقد علمتم ما قدمه في هذه السورة من وقائعه بمن كذب أنبياءه واستهزأ برسله وأنه أنجى كل من والاه، وأهلك جميع من عاداه كمن عدوهم آلهة، وهو وما بعده وما قبله متلفت إلى قوله تعالى {اتبعوا ما أنزل إليكم ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء} [الأعراف: 3] بالشرح، وهو دال على أنه الذي فعل ما تقدم لأجل أوليائه بدليل أنه أعجزهم عن معارضة شيء من كتابه، وعن الوصول إلى جميع ما يريدون من أوليائه وأحبابه...
إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود 982 هـ :
{إِنَّ وَلِيي الله الذي نَزَّلَ الكتاب} تعليلٌ لعدم المبالاةِ المنفهمِ من السَّوْق انفهاماً جلياً، ووصفُه تعالى بتنزيل الكتابِ للإشعار بدليل الولايةِ والإشارةِ إلى علة أخرى لعدم المبالاةِ كأنه قيل: لا أبالي بكم وبشركائكم لأن وليّيَ هو الله الذي أنزل الكتابَ الناطقَ بأنه وليِّي وناصري وبأن شركاءَكم لا يستطيعون نصرَ أنفسِهم فضلاً عن نصركم، وقوله تعالى: {وَهُوَ يَتَوَلَّى الصالحين} تذييلٌ مقرِّرٌ لمضمون ما قبله أي ومن عادته أن يتولى الصالحين من عباده وينصُرَهم ولا يخذُلَهم...
تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :
{إن ولي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين} هذا تعليل لجزمه صلى الله عليه وسلم بما ذكر من عجز هذه المعبودات وتحقير أمرها وأمر عابديها على ما كان من ضعفه بمكة عند نزول هذه السورة. يقول إن ناصري ومتولي أمري هو الذي نزل علي هذا الكتاب الناطق بوحدانيته في ربوبيته، وبما يجب من عبادته ودعائه في المهمات والملمات وحده، وبأن عبارة غيره باطلة، وأن دعاء هذه الأوثان هزؤ باطل، وسخف لا يرضاه بنفسه إلا جاهل سافل، وهو يتولى نصر الصالحين من عباده، وهم الذين صلحت أنفسهم بالعقائد الصحيحة السالمة من الخرافات والأوهام، والأعمال التي تصلح بها الأفراد وشؤون الجماعات، فينصرهم على الخرافيين الفاسدي العقائد والمفسدين في الأعمال {فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال} [الرعد: 17].
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
إنه لا بد لصاحب الدعوة إلى الله أن يتجرد من أسناد الأرض؛ وأن يستهين كذلك بأسناد الأرض إنها في ذاتها واهية واهنة، مهما بدت قوية قادرة: (يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له: إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له، وإن يسلبهم الذباب شيئاً لا يستنقذوه منه. ضعف الطالب والمطلوب!).. (مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتاً، وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون!).. وصاحب الدعوة إلى الله يرتكن إلى الله. فما هذه الأولياء والأسناد الأخرى إذن؟ وماذا تساوي في حسه؛ حتى لو قدرت على أذاه؟! إنما تقدر على أذاه بإذن ربه الذي يتولاها. لا عجزاً من ربه عن حمايته من أذاها _ سبحانه وتعالى _ ولا تخلياً منه سبحانه عن نصرة أوليائه.. ولكن ابتلاء لعباده الصالحين للتربية والتمحيص والتدريب. واستدراجاً لعباده الطالحين للإعذار والإمهال والكيد المتين!...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
وجملة: {وهو يتولى الصالحين} معترضة والواو اعتراضيه. ومجيء المسند فعلاً مضارعاً لقصد الدلالة على استمرار هذا التولي وتجدده وأنه سنّة إلهية، فكما تولى النبي يتولى المؤمنين أيضاً، وهذه بشارة للمسلمين المستقيمين على صراط نبيهم صلى الله عليه وسلم بأن ينصرهم الله كما نصر نبيه وأولياءهُ. والصالحون هم الذين صلحت أنفسهم بالإيمان والعمل الصالح...
زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :
وفي هذا الكلام إشارتان بيانيتان: إحداهما – الحكم على النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأنه من الصالحين الذين يصلحون في الأرض ولا يفسدون، وأن عبدة الأوثان مفسدون، قد أفسدوا في تفكيرهم وفي اعتقادهم، وأفسدوا وأضلوا باتباعهم الأوهام، وبعبادتهم من لا ينفع ولا يضر، والثانية – أن الله تعالى ناصر الصالح على الفاسد، ويتولى الصالحين برعايته، وأنه – سبحانه وتعالى – لن يضيعهم أبدا، وأن النصر في النهاية للفضيلة لا الرذيلة، وللحق لا الباطل، وهو يتولى عباده المخلصين دائما. وإذا كان الله ناصر المؤمنين، فالشيطان ولي الكافرين؛ ولذا قال تعالى: {وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلآ أَنفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (197)}...
ومادام الوليّ هو الله، فالرسول صلى الله عليه وسلم لا يبالي بهم، و "الولي "هو الذي يليك، وأنت لا تجعل أحدا يليك إلا أقربهم إلى نفسك، وإلى قلبك، ولا يكون أقربهم إلى نفسك وإلى قلبك، إلا إذا آنست منه نفعا فوق نفعك، وقوة فوق قوتك، وعلما فوق علمك، وقول الرسول بأمره سبحانه وتعالى: {إِنَّ وَلِيِّيَ اللّهُ}... وهنا خرجت المسألة عن أسباب البشر وانتهت إلى الركن الشديد الذي يأوي إليه الرسل. ولا يقول هذا القول إلا وهو واثق تمام الثقة من نصرة الله،... وقوله: {وهو يتولى الصالحين} أي أنه لا يجعل الولاية خصوصية للرسول صلى الله عليه وسلم، بل يقول لكل واحد من أتباعه: كن صالحا في أي وقت، أمام أي عدو، ستجد الله وهو يتولاك بالنصر، وساعة يعمم الله الحكم، فهو ينشر الطمأنينة الإيمانية في قلوب أتباعه صلى الله عليه وسلم وكل من يحمل من أمر دعوته صلى الله عليه وسلم شيئا ما سوف يكون له هذا التأييد، وسبحانه الذي جعل رسوله مُبلغا عنه المنهج، وهو سبحانه يتولى الصالحين لعمارة الكون، لأن الله قد جعل الإنسان خليفة ليصلح الكون، وأول مراتب الإصلاح أن يبقى الصالح على صلاحه، أو أن يزيده صلاحا إن أمكن...