قوله : { إِنَّ وَلِيِّيَ الله } العامة على تشديد وَلِيِّيَ مضافاً لياء المتكلم المفتوحة ، وهي قراءة واضحة أضاف الوليَّ إلى نفسه .
وقرأ أبو عمرو في{[17091]} بعض طرقه " إنَّ وليَّ " بياء واحدة مشددة مفتوحة ، وفيها تخريجان :
أحدهما : قال أبُو عليٍّ : إن ياء " فعيل " مدغمةٌ في ياء المتكلم ، وإنَّ الياء التي هي لام الكلمة محذوفةٌ ، ومنع من العكس .
والثاني : أن يكون وليَّ اسمها ، وهو اسمُ نكرة غيرُ مضافِ لياء المتكلم ، والأصلُ : إنَّ وليّاً الله ف " وليّاً " اسمها والله خبرها ، ثم حذف التنوين ؛ لالتقاء الساكنين ؛ كقوله : [ المتقارب ]
فأَلْفَيْتُه غَيْر مُسْتَعْتبٍ *** ولا ذَاكِر اللَّهَ إلاَّ قَلِيلا{[17092]}
وكقراءة من قرأ { قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ الله الصمد } [ الإخلاص : 1 - 2 ] ولم يبق إلاَّ الإخبارُ عن نكرةٍ بمعرفة ، وهو واردٌ .
وإنْ حَرَاماً أن أسُبَّ مُجَاشِعاً *** بآبَائِي الشمِّ الكِرَامِ الخَضَارِمِ{[17093]}
وقرأ الجحدريُّ{[17094]} في رواية إنَّ وليِّ الله بكسر الياءِ مشددة ، وأصلها أنَّهُ سكن ياء المتكلم ، فالتقت مع لام التعريف فحذفت ، لالتقاء الساكنين ، وبقيت الكسرة تدلُّ عليها نحو : إنَّ غلام الرَّجلُ .
وقرأ في رواية أخرى{[17095]} إنَّ وليَّ اللَّهِ بياء مشددة مفتوحة ، والجلالة بالجرِّ ، نقلهما عنه أبو عمرو الدَّاني أضاف الولي إلى الجلالةِ .
وذكر الأخفشُ وأبو حاتم هذه القراءة عنه ، ولمْ يذكرا نَصْبَ الياء ، وخرَّجها النَّاسُ على ثلاثة أوجه : الأولُ : قولُ الأخفش - وهو أن يكون وَليّ الله اسمُها والَّذي نزَّلَ الكتاب خبرها ، والمراد ب " الذين نزّل الكتابَ " جبريل ، لقوله تعالى : { نَزَلَ بِهِ الروح الأمين } [ الشعراء : 193 ] : { قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ القدس } [ النحل : 102 ] إلاَّ أنَّ الأخفش قال في قوله { وَهُوَ يَتَوَلَّى الصالحين } هو من صفة الله قطعاً لا من صفة جبريل ، وفي تحتم ذلك نظرٌ .
والثاني : أن يكون الموصوف بتنزيل الكتاب هو الله تعالى ، والمراد بالموصول النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ويكون ثمَّ عائدٌ محذوفٌ لفهم المعنى والتقدير إنَّ وليَّ الله النبيُّ الذي نزَّ الله الكتاب عليه ، فحذف عليه وإن لم يكن مشتملاً على شروط الحذف ، لكنَّه قد جاء قليلاً ، كقوله : [ الطويل ]
وإنَّ لِسَانِي شُهْدَةٌ يُشْتَفَى بِهَا *** وهُوَّ على مَنْ صَبَّهُ اللَّهُ عَلْقَمُ{[17096]}
أي : صبة اللَّهُ عليه ، وقال آخر : [ الطويل ]
فأصْبَحَ مِنْ أسْمَاءَ قَيْسٌ كقَابضٍ *** عَلى المَاءِ لا يَدْرِي بِمَا هُوَ قَابِضُ{[17097]}
أي بما هو قابض عليه . وقال آخر : [ الطويل ]
لَعَلَّ الَّذي أصْعَدْتني أنْ يَرُدَّنِي *** إلى الأرْضِ إنْ لَمْ يَقْدرِ الخَيْرَ قَادِرُه{[17098]}
ومِنْ حَسَدٍ يَجُوزُ عَليَّ قَوْمِي *** وأيُّ الدَّهْر ذُو لم يَحْسُدُونِي{[17099]}
فَقُلْتُ لهَا لاَ والَّذي حَجَّ حَاتِمٌ *** أخُونُكِ عَهْداً إنَّنِي غَيْرُ خَوَّانِ{[17100]}
أي : حج إليه ، وقال آخر : [ الرجز ]
فأبْلِغَنَّ خَالدَ بنَ نَضْلَةٍ *** والمَرْءُ مَعْنِيٌّ بِلوْمِ مَنْ يَثقْ{[17101]}
وإذا ثبت أنَّ الضمير يُحْذَف في مثل هذه الأماكن ، وإن لم يكمل شرطُ الحذف فلهذه القراءة الشاذة في التخريج المذكور أسوةٌ بها .
والثالث : أن يكون الخبر محذوفاً تقديره : إنَّ وليَّ الله الصَّالحُ ، أو من هو صالح وحذف ، لدلالة قوله : { وَهُوَ يَتَوَلَّى الصالحين } وكقوله : { إِنَّ الذين كَفَرُواْ بالذكر } [ فصلت : 41 ] أي : معذبون ، وكقوله { إِنَّ الذين كَفَرُواْ وَيَصُدُّونَ } [ الحج : 25 ] .
المعنى { إِنَّ وَلِيِّيَ الله الذي نَزَّلَ الكتاب } يعني القرآن ، أي : يتولاّني وينصرني كما أيَّدني بإنزال الكتاب { وَهُوَ يَتَوَلَّى الصالحين } قال ابنُ عباسٍ : " يريد الذين لا يعدلُون بالله شيئاً ، فاللَّهُ يتولاهم بنصره ولا يضرهم عداوة من عاداهم {[17102]} " .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.