مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{إِنَّ وَلِـِّۧيَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي نَزَّلَ ٱلۡكِتَٰبَۖ وَهُوَ يَتَوَلَّى ٱلصَّـٰلِحِينَ} (196)

قوله تعالى : { إن وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين }

اعلم أنه لما بين في الآيات المتقدمة أن هذه الأصنام لا قدرة لها على النفع والضر بين بهذه الآية أن الواجب على كل عاقل عبادة الله تعالى ، لأنه هو الذي يتولى تحصيل منافع الدين ومنافع الدنيا أما تحصيل منافع الدين ، فبسبب إنزال الكتاب ، وأما تحصيل منافع الدنيا ، فهو المراد بقوله : { وهو يتولى الصالحين } وفيه مسائل :

المسألة الأولى : قال الواحدي رحمه الله : قرأ القراء وليي بثلاث ياآت ، الأولى ياء فعيل وهي ساكنة ، والثانية لام الفعل وهي كسورة ، قد أدغمت الأولى فيها فصار ياء مشددة ، والثالثة ياء الإضافة ، وروي عن أبي عمرو : ولي الله بياء مشددة ، ووجه ذلك أنه حذف الياء التي هي لام فعيل ، كما حذف اللام من قولهم فاماليت له فاله ، ثم أدغمت ياء فعيل في ياء الإضافة ، فقيل ولي الله وهذه الفتحة فتحة ياء الإضافة ، وأما الباقون فأجازوا اجتماع ثلاث ياءات ، والله أعلم .

المسألة الثانية : أن وليي الله أي الذي يتولى حفظي ونصرتي هو الله الذي أنزل الكتاب المشتمل على هذه العلوم العظيمة النافعة في الدين ويتولى الصالحين ينصرهم ، فلا تضرهم عداوة من عاداهم ، وفي ذلك يأمن المشركين من أن يضره كيدهم . وسمعت أن عمر بن عبد العزيز ما كان يدخر لأولاده شيئا ، فقيل له فيه فقال : ولدي إما أن يكون من الصالحين أو من المجرمين ، فإن كان من الصالحين فوليه الله ومن كان الله له وليا فلا حاجة له إلى مالي ، وإن كان من المجرمين فقد قال تعالى : { فلن أكون ظهيرا للمجرمين } ومن رده الله لم أشتغل بإصلاح مهماته .