التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوۡمِهِۦ فَقَالَ يَٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرُهُۥٓۚ أَفَلَا تَتَّقُونَ} (23)

وبعد أن بين - سبحانه - دلائل قدرته عن طريق خلق الإنسان ، وعن طريق خلقه لهذه الكائنات التى يشاهدها الإنسان وينتفع بها . . . أتبع ذلك بالحديث عن بعض الرسل - عليهم الصلاة والسلام - وعن موقف أقوامهم منهم ، وعن سوء عاقبة المكذبين لرسل الله - تعالى - وأنبيائه . وابتدأ - سبحانه - الحديث عن جانب من قصة نوح مع قومه ، فقال - تعالى - : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً . . . } .

تلك هى قصة نوح - عليه السلام - مع قومه ، كما وردت فى هذه السورة الكريمة ، وقد وردت بصورة أكثر تفصيلاً فى سورتى هود ونوح .

وينتهى نسب نوح - عليه السلام - إلى شيص بن آدم - عليه السلام - وقد ذكر نوح فى القرآن فى ثلاثة وأربعين موضعاً .

قال الجمل فى حاشيته : وعاش نوح من العمر ألف سنة وخمسين ، لأنه أرسل على رأس الأربعين ومكث يدعو قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً ، وعاش بعد الطوفان ستين سنة .

وقدمت قصته هنا على غيره ، لتتصل بقصة آدم المذكورة فى قوله : { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان مِن سُلاَلَةٍ مِّن طِينٍ } للمناسبة بينهما من حيث إن نوحاً يعتبر آدم الثانى ، لانحصار النوع الإنسانى بعده فى نسله .

وقوم الرجل : أقرباؤه الذين يجتمعون معه فى جد واحد . وقد يقيم الرجل بين قوم ليس منهم فى نسبه ، فيسميهم قومه على سبيل المجاز ، لمجاورته لهم .

وكان قوم نوح يعبدون الأصنام . فأرسل الله - تعالى - إليهم نوحاً لينهاهم عن ذلك ، وليأمرهم بإخلاص العبادة لله - تعالى - .

واللام فى قوله - سبحانه - : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إلى قَوْمِهِ . . } واقعة فى جواب قسم محذوف .

أى : والله لقد أرسلنا نبينا نوحاً - عليه السلام - إلى قومه ، ليخرجهم من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان .

وقوله - سبحانه - { فَقَالَ ياقوم اعبدوا الله مَا لَكُمْ مِّنْ إله غَيْرُهُ . . . } حكاية لما وجهه إليهم من نصائح وإرشادات .

أى : أرسلنا نوحاً إلى قومه ، فقال لهم ما قاله كل نبى : يا قوم اعبدوا الله وحده ، فإنكم ليس لكم إله سواه ، فهو الذى خلقكم ، وهو الذى رزقكم ، وهو الذى يحييكم وهو الذى يميتكم ، وكل معبود غيره - سبحانه - فهو باطل .

وفى ندائهم بقوله : { ياقوم } تلطف فى الخطاب ، ليستميلهم إلى دعوته ، فكأنه يقول لهم : أنتم أهلى وعشيرتى يسرنا ما يسركم ، ويؤذنيى ما يؤذيكم ، فاقبلوا دعوتى ، لأنى لكم ناصح أمين .

وقوله : { أَفَلاَ تَتَّقُونَ } تحذير لهم من الإصرار على شركهم ، بعد ترغيبهم فى عبادة الله - تعالى - وحده بأطلف أسلوب .

أى : أفلا تتقون الله - تعالى - وتخافون عقوبته ، بسبب عبادتكم لغيره ، مع أنه - سبحانه - هو الذى خلقكم فالاستفهام للإنكار والتوبيخ .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوۡمِهِۦ فَقَالَ يَٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرُهُۥٓۚ أَفَلَا تَتَّقُونَ} (23)

23

( ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه ، فقال : يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره . أفلا تتقون ? فقال الملأ الذين كفروا من قومه : ما هذا إلا بشر مثلكم يريد أن يتفضل عليكم ، ولو شاء الله لأنزل ملائكة ، ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين . إن هو إلا رجل به جنة ، فتربصوا به حتى حين ) . .

( يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ) . . كلمة الحق التي لا تتبدل ، يقوم عليها الوجود ، ويشهد بها كل ما في الوجود ( أفلا تتقون ? )وتخافون عاقبة الإنكار للحقيقة الأولى التي تقوم عليها الحقائق جميعا ? وتستشعرون ما في إنكارها من تجن على الحق الباهر ، وما يعقب التجني من استحقاق للعذاب الأليم ?

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوۡمِهِۦ فَقَالَ يَٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرُهُۥٓۚ أَفَلَا تَتَّقُونَ} (23)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَىَ قَوْمِهِ فَقَالَ يَقَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُمْ مّنْ إِلََهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتّقُونَ } .

يقول تعالى ذكره : وَلَقَدْ أرْسَلْنا نُوحا إلى قَوْمِهِ داعيهم إلى طاعتنا وتوحيدنا والبراءة من كلّ معبود سوانا . فَقالَ لهم نوح : يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللّهَ يقول : قال لهم : ذلوا يا قوم لله بالطاعة . ما لَكُمْ مِنْ إلَهٍ غَيْرُهُ يقول : ما لكم من معبود يجوز لكم أن تعبدوه غيره . أفَلا تَتّقُونَ يقول : أفلا تخشون بعبادتكم غيره عقابه أن يحلّ بكم .