السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوۡمِهِۦ فَقَالَ يَٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرُهُۥٓۚ أَفَلَا تَتَّقُونَ} (23)

ولما بيّن سبحانه وتعالى دلائل التوحيد أردفها بذكر القصص كما هو العادة في سائر السور مبتدئاً بقصة نوح عليه السلام ، فقال تعالى : { ولقد أرسلنا } أي : بما لنا من العظمة { نوحاً } وهو الأب الثاني بعد آدم عليهما الصلاة والسلام ، وكان اسمه يشكر ، وسمي نوحاً لوجوه : أحدها : لكثرة ما ناح على نفسه حين دعا على قومه بالهلاك ، فأهلكهم الله تعالى بالطوفان ، فندم على ذلك ، ثانيها : لمراجعته ربه في شأنّ ابنه ، ثالثها : أنه مرّ بكلب مجذوم فقال له : اخسأ يا قبيح فعوتب على ذلك . { إلى قومه } وهم جميع أهل الأرض لتواصل ما بينهم لكونهم على لغة واحدة محصورين لا أنه أرسل إلى الخلق كافة ؛ لأنّ ذلك من خصائص نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى جميع الأنبياء { فقال } أي : فتسبب عن ذلك أنّ قال { يا قوم } ترفقاً بهم { اعبدوا الله } وحده لأنه إلهكم وحده لاستحقاقه لجميع خلال الكمال ، واستأنف على سبيل التعليل قوله : { ما لكم من إله } أي : معبود بحق { غيره } فلا تعبدوا سواه { أفلا تتقون } أي : أفلا تخافون عقوبته إن عبدتم غيره ، وقرأ الكسائي بكسر الراء والهاء ، والباقون بضمهما .