فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوۡمِهِۦ فَقَالَ يَٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرُهُۥٓۚ أَفَلَا تَتَّقُونَ} (23)

ولما ذكر سبحانه الفلك أتبعه بذكر نوح لأنه أول من صنعه ، وذكر ما صنعه قوم نوح معه بسبب إهمالهم للتفكر في مخلوقات الله سبحانه والتذكر لنعمه عليهم فقال :

{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ } وفي ذلك تعزية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتسلية له ببيان أن قوم غيره من الأنبياء كانوا يصنعون مع أنبيائهم ما يصنعه قومه معه ، واللام جواب قسم محذوف والواو للاستئناف ، وهذا شروع في خمس قصص هذا أولها ؛ والثانية قصة هود أولها { ثم أنشأنا من بعدهم قرنا آخرين ، والثالثة قوله { ثم أنشأنا من بعدهم قرونا آخرين } والرابعة قصة موسى وهرون المذكورة بقوله { ثم أرسلنا موسى وأخاه } والخامسة قصة عيسى وأمه المذكورة بقوله : { وجعلنا ابن مريم وأمه آية } .

ثم إن اسم نوح يشكر ، ونوح لقبه على ما قاله الرازي ، أو عبد الله على ما قاله السيوطي ، وعاش نوح من العمر ألف سنة وخمسين كما مرّ مرارا ، وقدمت قصته لتتصل بقصة آدم المذكورة للمناسبة بين نوح وآدم من حيث أنه آدم الثاني ، لانحصار النوع الإنساني بعده في نسله .

{ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ } وحده وأطيعوه ولا تشركوا به شيئا كما يستفاد من الآيات الآخرة ؛ وجملة { مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ } واقعة موقع التعليل لما قبلها ؛ أي ما لكم في الوجود إله غيره سبحانه ، ومن زائدة .

{ أَفَلَا تَتَّقُونَ } تخافون أن تتركوا عبادة ربكم الذي لا يستحقها غيره وليس لكم إله سواه . وقيل المعنى أفلا تخافون أن يرفع عنكم ما خولكم من النعم ويسلبها عنكم ؟ وقيل المعنى أفلا تقون أنفسكم عذابه الذي تقتضيه ذنوبكم بعبادتكم غيره ؟ .