التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكۡفُرُونَ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيۡنَ ٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦ وَيَقُولُونَ نُؤۡمِنُ بِبَعۡضٖ وَنَكۡفُرُ بِبَعۡضٖ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيۡنَ ذَٰلِكَ سَبِيلًا} (150)

ثم بين - سبحانه - رذائل أهل الكتاب وأباطيلهم وسوء مصيرهم بعد حديثه القريب عن المنافقين . فقال - تعالى - { إِنَّ الذين يَكْفُرُونَ بالله وَرُسُلِهِ } بأن يجحدوا وحدانية الله ، وينكروا صدق رسله - عليهم الصلاة والسلام - { وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ الله وَرُسُلِهِ } أى يريدون أن يفرقوا بين الإِيمان بالله - تعالى - وبين الإِيمان برسله ، بأن يعلنوا إِيمانهم بوجود الله - تعالى - وأنه خالق هذا الكون ، إلا أنهم يكفرون برسله أو ببعضهم .

قال القرطبى : نص - سبحانه - على أن التفريق بين الإِيمان بالله والإِيمان برسله كفر ، وإنما كان كفراً لأن الله سبحانه - فرض على الناس أن يعبدوه بما شرع لهم على ألسنة الرسل ، فإذا جحدوا رسالة الرسل فقد ردوا عليهم شرائعهم ولم يقبلوها منهم ، فكانوا ممتنعين من التزام العبودية التى أمروا باتلزامها ، فكان كجحد الصانع - سبحانه - وجحد الصانع كفر لما فيه من ترك التزام الطاعة والعبودية . وكذلك التفريق بين رسله فى الإِيمان بهم كفر .

وقوله - تعالى - { وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ } حكاية لما نطقوا به من كفر وجحود . أى . ويقولون على سبيل التبجح والعناد : نؤمن ببعض الرسل ونكفر ببعضهم كما قال اليهود نؤمن بموسى والتوراة ونكفر بما وراء ذلك . وكما قال النصارى . نؤمن بعيسى والإِنجيل ونكفر بما سوى ذلك .

وقوله { وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذلك سَبِيلاً } أى ويريدون بقولهم هذا أن يتخذوا بين الإِيمان بالبعض والكفر وبالبعض طريقا يسلكونه ، ودينا يتبعونه مع أنه لا واسطة ببينهما قطعا ، لأن الرسل جميعا قد بعثهم الله - تعالى - لدعوة الناس إلى توحيده ، وإخلاص العبادة لهو نشر مكارم الأخلاق فى الأرض . فمن كفر بواحد منهم كفر بهم جميعا .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكۡفُرُونَ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيۡنَ ٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦ وَيَقُولُونَ نُؤۡمِنُ بِبَعۡضٖ وَنَكۡفُرُ بِبَعۡضٖ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيۡنَ ذَٰلِكَ سَبِيلًا} (150)

148

( إن الذين يكفرون بالله ورسله ؛ ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ؛ ويقولون : نؤمن ببعض ونكفر ببعض ؛ ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا . أولئك هم الكافرون حقا ، وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا . والذين آمنوا بالله ورسله ، ولم يفرقوا بين أحد منهم ، أولئك سوف يؤتيهم أجورهم ؛ وكان الله غفورا رحيمًا ) .

لقد كان اليهود يدعون الإيمان بأنبيائهم ؛ وينكرون رسالة عيسى ورسالة محمد ؛ كما كان النصارى يقفون بإيمانهم عند عيسى - فضلا عن تأليهه - وينكرون رسالة محمد كذلك .

وكان القرآن ينكر على هؤلاء وهؤلاء ؛ ويقرر التصور الإسلامي الشامل الكامل عن الإيمان بالله ورسوله ؛ بدون تفريق بين الله ورسله ؛ وبدون تفريق كذلك بين رسله جميعا . وبهذا الشمول كان الإسلام هو " الدين " الذي لا يقبل الله من الناس غيره ، لأنه هو الذي يتفق مع وحدانية الله ؛ ومقتضيات هذه الوحدانية .

إن التوحيد المطلق لله سبحانه يقتضي توحيد دينه الذي أرسل به الرسل للبشر ، وتوحيد رسله الذين حملوا هذه الأمانة للناس . . وكل كفر بوحدة الرسل أو وحدة الرسالة هو كفر بوحدانية الله في الحقيقة ؛ وسوء تصور لمقتضيات هذه الوحدانية . فدين الله للبشر ومنهجه للناس ، هو هو لا يتغير في أساسه كما أنه لا يتغير في مصدره .

لذلك عبر السياق هنا عمن يريدون التفرقة بين الله ورسله [ بأن يؤمنوا بالله ويكفروا بالرسل ] وعمن يريدون التفرقة بين الرسل [ بأن يؤمنوا ببعضهم ويكفروا ببعضهم ] عبر عن هؤلاء وهؤلاء بأنهم ( الذين يكفرون بالله ورسله ) ، وعد تفرقتهم بين الله ورسله ، وتفرقتهم بين بعض رسله وبعض ، كفرا بالله وبرسله .

إن الإيمان وحدة لا تتجزأ . . الإيمان بالله إيمان بوحدانيته - سبحانه - ووحدانيته تقتضي وحدة الدين الذي ارتضاه للناس لتقوم حياتهم كلها - كوحدة - على أساسه . ويقتضي وحدة الرسل الذين جاءوا بهذا الدين من عنده - لا من عند أنفسهم ولا في معزل عن إرادته ووحيه - ووحدة الموقف تجاههم جميعا . . ولا سبيل إلى تفكيك هذه الوحدة . إلا بالكفر المطلق ؛ وإن حسب أهله أنهم يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض !