ثم بين - سبحانه - أن الملائكة مع سمو منزلتهم ، وشدة حرصهم على طاعة الله - تعالى - ، لا يملكون الشفاعة لأحد إلا بإذنه - عز وجل - فقال : { وَكَمْ مِّن مَّلَكٍ فِي السماوات لاَ تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلاَّ مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ الله لِمَن يَشَآءُ ويرضى } .
و " كم " هنا خبرية بمعنى كثير ، وهى فى موضع رفع على الابتداء ، وخبرها جملة ، " لا تغنى شفاعتهم . . . " وهى وإن كانت مفردة لفظا ، إلا أنها فى معنى الجمع . . .
أى : وكثير من الملائكة المقربين لدينا فى السموات العلا ، لا تغنى شفاعتهم عندنا شيئا من الأشياء . إلا من بعد أن يأذن الله - تعالى - لهم فيها ، لمن يشاء أن يشفعوا له ، ويرضى - سبحانه - عن هذا المشفوع له .
فالآية الكريمة من قبيل ضرب المثل للمشركين ، الذين توهموا أن أصنامهم ستشفع لهم ، وكأنه - سبحانه - يقول لهم : إذا كان الملائكة مع سمو منزلتهم عندنا لا يشفعون إلا بإذننا ، ولمن نرضى عنه . فكيف وصل بكم الجهل والحمق - أيها المشركون - إلى توهم أن أصنامكم - مع خستها وحقارتها - ستشفع لكم عندنا ؟
وقوله : { فِي السماوات } صفة " لملك " والمقصود بهذه الصفى التشريف والتكريم .
وقوله : { شَيْئاً } التنكير فيه للتقليل والتعميم ، وهو فى موقع المفعول المطلق .
أى : لا تغنى شفاعتهم شيئا من الإغناء حتى ولو كان فى غاية القلة .
وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - : { وَلاَ تَنفَعُ الشفاعة عِندَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ . . } وقوله - سبحانه - : { . . وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارتضى وَهُمْ مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ } وهذه الآيات الكريمة بجانب تيئيسها للكافرين من الحصول على أية شفاعة ، لأنهم ليسوا ممن رضى الله عنهم ، تدعو المؤمنين إلى مواصلة المحافظة على أداء حقوقه - سبحانه - ، لينالوا رضاه عنهم يوم القيامة ، وليكونوا أهلا للحصول على الشفاعة التى يبغونها .
وإذا خلص الأمر كله لله في الآخرة والأولى . فإن أوهام المشركين عن شفاعة الآلهة المدعاة - من الملائكة - لهم عند الله . كما قالوا : ( ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ) . . إن هذه الأوهام لا أصل لها . فالملائكة الحقة في السماء لا تملك الشفاعة إلا حين يأذن الله في شيء منها :
( وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئا . إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى ) . .
ومن ثم تسقط دعواهم من أساسها ، فوق ما فيها من بطلان تولى تفنيده في الآيات السابقة . وتتجرد العقيدة من كل غبش أو شبهة . فالأمر لله في الآخرة والأولى . ومنى الإنسان لا تغير من الحق الواقع شيئا . والشفاعة لا تقبل إلا بإذن من الله ورضى . فالأمر إليه في النهاية . والاتجاه إليه وحده في الآخرة والأولى .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.