التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗۖ لَّكُم مِّنۡهُ شَرَابٞ وَمِنۡهُ شَجَرٞ فِيهِ تُسِيمُونَ} (10)

والمراد بالسماء : السحاب المرتفع فى طبقات الجو ، حيث ينزل منه الماء بقدرة الله - تعالى - والشراب : اسم للمشروب الذى يشربه الإِنسان والحيوان وغيرهما .

والشجر : يطلق على النبات ذى الساق الصلبة على سبيل الحقيقة ، ويطلق على العشب والكلأ على سبيل المجاز ، وهو المراد هنا ، لأنه هو الذى ترعاه الأنعام .

والضمير فى قوله - سبحانه - { ومنه شجر } يعود على الماء ، باعتباره السبب فى وجود الشجر .

قال الآلوسى : قوله - سبحانه - { ومنه شجر } أى : نبات مطلقا سواء أكان له ساق أم لا ، كما نقل عن الزجاج ، وهو حقيقة فى الأول ، ومن استعماله فى الثانى قول الراجز :

نعلفها اللحم إذا عز الشجر . . . والخيل فى إطعامها اللحم ضرر

فإنه قيل : الشجر فيه بمعنى الكلأ ، لأنه الذى يعلف . . .

وقوله : { تسيمون } من الإسامة ، بمعنى إطلاق الإِبل وغيرها للسوم ، أى الرعى . يقال : أسام فلان إبله للرعى إسامة ، إذا أخرجها إلى المرعى . وسامت هى تسوم سوما ، إذا رعت حيث شاءت وأصل السوم : الإبعاد فى المرعى .

والمعنى : هو - سبحانه - وحده وليس غيره : الذى غمركم بنعمه ، حيث أنزل لكم من السحاب ماء كثيرا ، هذا الماء الكثير المنزل بقدر معلوم ، منه تأخذون ما تشربونه وما تنتفعون فى حوائجكم الأخرى ، وبسببه تخرج المراعى التى ترعون فيها دوابكم .

فالآية الكريمة دليل آخر من الأدلة على وحدانية الله - تعالى - وقدرته ، وبديع خلقه ، حيث أنزل - سبحانه - المطر من السماء ، ولو شاء لأمسكه ، أو لأنزله غير صالح للشراب .

قال - تعالى - : { أَفَرَأَيْتُمُ المآء الذي تَشْرَبُونَ أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ المزن أَمْ نَحْنُ المنزلون لَوْ نَشَآءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلاَ تَشْكُرُونَ } وأتى - سبحانه - بلفظ " فى " المفيدة للظرفية ، فى قوله - تعالى - { فيه تسيمون } ؛ للإِشارة إلى أن الرعى فى هذا الشجر ، قد يكون عن طريق أكل الدواب منه ، وقد يكون عن طريق أكل ما تحته من الأعشاب .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗۖ لَّكُم مِّنۡهُ شَرَابٞ وَمِنۡهُ شَجَرٞ فِيهِ تُسِيمُونَ} (10)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ هُوَ الّذِي أَنْزَلَ مِنَ السّمَاءِ مَآءً لّكُم مّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ } .

يقول تعالى ذكره : والذي أنعم عليكم هذه النعم وخلق لكم الأنعام والخيل وسائر البهائم لمنافعكم ومصالحكم ، هو الربّ الذي أنزل من السماء ماء ، يعني : مطرا لكم من ذلك الماء شراب تشربونه ومنه شراب أشجاركم وحياة غروسكم ونباتها . فِيهِ تُسِيمُونَ يقول : في الشجر الذي ينبت من الماء الذي أنزل من السماء تسيمون ، يعني ترعون ، يقال منه : أسام فلان إبله يسيمها إسامة إذا أرعاها ، وسوّمها أيضا يسوّمها ، وسامت هي إذا رعت ، فهي تسوم ، وهي إبل سائمة ومن ذلك قيل للمواشي المطلقة في الفلاة وغيرها للرعي سائمة . وقد وجّه بعضهم معنى السوم في البيع إلى أنه من هذا ، وأنه ذهاب كلّ واحد من المتبايعين فيما ينبغي له من زيادة ثمن ونقصانه ، كما تذهب سوائم المواشي حيث شاءت من مراعيها ومنه قول الأعشى :

وَمَشَى القَوْمُ بالعمادِ إلى المَرْ *** عَى وأعْيا المُسِيمَ أيْنَ المَساقُ

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن النضْر بن عربي ، عن عكرمة : وَمِنْهُ شَجَرٌ فيهِ تُسيمُونَ قال : ترعون .

حدثنا أحمد بن سهيل الواسطي ، قال : حدثنا قرة بن عيسى ، عن النضر بن عربي ، عن عكرمة ، في قوله : فيهِ تُسيمُونَ قال : ترعون .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن خصيف ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : ترعون .

حدثني عليّ بن داود ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، مثله .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : وَمِنْهُ شَجَرٌ فيهِ تُسيمُونَ يقول : يرعون فيه أنعامهم وشَاءَهُمْ .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال ابن عباس : فيهِ تُسيمُونَ قال : ترعون .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا معاوية وأبو خالد ، عن جويبر ، عن الضحاك : فيه ترعون .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، عن الضحاك ، في قوله : تُسيمُونَ يقول : ترعون أنعامكم .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن طلحة بن أبي طلحة القناد ، قال : سمعت عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزي ، قال : فيه ترعون .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : شَجَرٌ فيهِ تُسيمُونَ يقول : ترعون .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قال : ترعون .

حدثنا محمد بن سنان ، قال : حدثنا سليمان ، قال : حدثنا أبو هلال ، عن قتادة في قول الله : شَجَرٌ فيهِ تُسيمُونَ قال : تَرْعون .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَمِنْهُ شَجَرٌ فيهِ تُسيمُونَ قال : تَرْعون . قال : الإسامة : الرّعية .

وقال الشاعر :

مثلَ ابنِ بَزْعَةَ أو كآخَرَ مِثْلِهِ *** أوْلى لَكَ ابنَ مُسِيمةِ الأجْمالِ

قال : يا ابن راعية الأجمال .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗۖ لَّكُم مِّنۡهُ شَرَابٞ وَمِنۡهُ شَجَرٞ فِيهِ تُسِيمُونَ} (10)

استئناف لذكر دليل آخر من مظاهر بديع خلق الله تعالى أدمج فيه امتنان بما يأتي به ذلك الماء العجيب من المنافع للناس من نعمة الشراب ونعمة الطعام للحيوان الذي به قوام حياة الناس وللناس أنفسهم .

وصيغة تعريف المسند إليه والمسند أفادت الحصر ، أي هُوَ لا غيرُه . وهذا قصر على خلاف مقتضى الظاهر ، لأن المخاطبين لا ينكرون ذلك ولا يدّعون له شريكاً في ذلك ، ولكنهم لما عَبدوا أصناماً لم تنعم عليهم بذلك كان حالهم كحال من يدّعي أن الأصنام أنعمت عليهم بهذه النّعم ، فنزلوا منزلة من يدّعي الشركة لله في الخلق ، فكان القصر قصر إفراد تخريجاً للكلام على خلاف مقتضى الظاهر .

وإنزال الماء من السماء تقدم معناه عند قوله تعالى : { وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقاً لكم } في سورة البقرة ( 22 ) .

وذكرَ في الماء منّتين : الشّراب منه ، والإنبات للشجر والزّرع .

وجملة { لكم منه شراب } صفة ل { ماء } ، و { لكم } متعلق ب { شراب } قدم عليه للاهتمام ، و { منه } خبر مقدم كذلك ، وتقديمه سوّغ أن يكون المبتدأ نكرة .

والشراب : اسم للمشروب ، وهو المائع الذي تشتفّه الشفتان وتُبلغه إلى الحلق فيبلعَ دون مضغ .

و ( من ) تبعيضية . وقوله تعالى : { ومنه شجر } نظير قوله : { منه شراب } . وأعيد حرف ( من ) بعد واو العطف لأن حرف ( من ) هنا للابتداء ، أو للسببية فلا يحسن عطف { شجر } على { شراب } .

والشجرَ : يطلق على النبات ذي الساق الصُلبة ، ويطلق على مطلق العُشب والكلأ تغليباً .

وروعي هذا التغليب هنا لأنه غالب مرعى أنعام أهل الحجاز لقلة الكلأ في أرضهم ، فهم يرعون الشعاري والغابات . وفي حديث « ضالة الإبل تَشرب الماء وتَرعى الشجر حتى يأتيا ربّها » . ومن الدقائق البلاغية الإتيان بحرف ( في ) الظرفية ، فالإسامة فيه تكون بالأكل منه والأكل مما تحته من العشب .

والإسامة : إطلاق الإبل للسّوْم وهو الرعي . يقال : سامت الماشية فهي سائمة وأسامها ربّها .