التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{أَمۡ حَسِبَ ٱلَّذِينَ يَعۡمَلُونَ ٱلسَّيِّـَٔاتِ أَن يَسۡبِقُونَاۚ سَآءَ مَا يَحۡكُمُونَ} (4)

ثم بين - سبحانه - أن عقابه للمرتكبين السيئات واقع بهم ، وأنهم إذا ظنوا خلاف ذلك ، فظنهم من باب الظنون السيئة القبيحة ، فقال - تعالى - : { أَمْ حَسِبَ الذين يَعْمَلُونَ السيئات أَن يَسْبِقُونَا سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ } .

و " أم " هنا منقطعة بمعنى بل ، والاستفهام للإِنكار والتوبيخ ، وقوله : { أَن يَسْبِقُونَا } سد مسد مفعولى حسب ، وأصل السبق : الفوت والتقدم على الغير .

والمراد به هنا : التعجيز ، والمعنى : بل أحسب الذين يعملون الأعمال السيئات كالكفر والمعاصى ، " أن يسبقونا " أى : أن يعجزونا فلا نقدر على عقابهم ، أو أن فى إمكانهم أن يهربوا من حسابنا لهم ؟ إن كانوا يظنون ذلك فقد : { سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ } أى : بئس الظن ظنهم هذا ، وبئس الحكم حكمهم على الأمور .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{أَمۡ حَسِبَ ٱلَّذِينَ يَعۡمَلُونَ ٱلسَّيِّـَٔاتِ أَن يَسۡبِقُونَاۚ سَآءَ مَا يَحۡكُمُونَ} (4)

القول في تأويل قوله تعالى : { أَمْ حَسِبَ الّذِينَ يَعْمَلُونَ السّيّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ } .

يقول تعالى ذكره : أم حسب الذين يشركون بالله فيعبدون معه غيره ، وهم المعنيون بقوله الّذِينَ يَعْمَلُونَ السّيّئاتِ أنْ يَسْبَقُونا يقول : أن يعجزونا فيفوتونا بأنفسهم ، فلا نقدر عليهم فننتقم منهم لشركهم بالله ؟ وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة ، قوله أمْ حَسِبَ الّذِينَ يَعْمَلُونَ السّيّئاتِ أي الشرك أن يسبقونا .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد أنْ يَسْبِقُونا أن يعجزونا .

وقوله : ساءَ ما يَحْكُمونَ يقول تعالى ذكره : ساء حكمهم الذي يحكمون بأن هؤلاء الذين يعملون السيئات يسبقوننا بأنفسهم .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{أَمۡ حَسِبَ ٱلَّذِينَ يَعۡمَلُونَ ٱلسَّيِّـَٔاتِ أَن يَسۡبِقُونَاۚ سَآءَ مَا يَحۡكُمُونَ} (4)

أعقب تثبيت المؤمنين على ما يصيبهم من فتون المشركين وما في ذلك من الوعد والوعيد بزجر المشركين على ما يعملونه من السيئات في جانب المؤمنين وأعظم تلك السيئات فتونهم المسلمين . فالمراد بالذين يعملون السيئات الفاتنون للمؤمنين .

وهذا ووعيدهم بأن الله لا يفلتهم . وفي هذا أيضاً زيادة تثبيت للمؤمنين بأن الله ينصرهم من أعدائهم .

ف { أم } للإضراب الانتقالي ويقدر بعدها استفهام إنكاري .

و { السيئات } : الأعمال السوء . وهي التنكيل والتعذيب وفتون المسلمين .

والسبق : مستعمل مجازاً في النجاة والانفلات كقول مُرة بن عدَّاء الفقعسي

كأنك لم تُسْبَق من الدهر مرة *** إذا أنت أدركت الذي كنت تطلب

وقوله تعالى { وما نحن بمسبوقين على أن نبدّل أمثالكم } [ الواقعة : 60 ، 61 ] وقوله { فاستكبروا في الأرض وما كانوا سابقين فكُلاًّ أخذنا بذنبه } [ العنكبوت : 39 ، 40 ] .

وقد تقدم عند قوله تعالى { ولا يحسبَنّ الذين كفروا سبقوا } في سورة [ الأنفال : 59 ] . والمعنى : أم حسبوا أن قد شفوا غيظهم من المؤمنين ، فهم بذلك غلبوا أولياءنا فغلبونا .

وجملة { ساء ما يحكمون } ذمّ لحسبانهم ذلك وإبطال له . فهي مقررة لمعنى الإنكار في جملة { أم حَسِبَ الذين يعملون السيئات } فلها حكم التوكيد فلذلك فصلت .

وهذه الجملة تقتضي أن يكون هذا الحسبان واقعاً منهم . ومعنى وقوعه : أنهم اعتقدوا ما يساوي هذا الحسبان لأنهم حين لم يستطع المؤمنون رد فتنتهم قد اغتروا بأنهم غلبوا المؤمنين ، وإذ قد كان المؤمنون يدعون إلى الله دون الأصنام فمَنْ غلبهم فقد حسب أنه غلب من يدعون إليه وهم لا يشعرون بهذا الحسبان ، فافهمه .

والحُكم مستعمل في معنى الظن والاعتقاد تهكماً بهم بأنهم نصبوا أنفسهم منصب الذي يحكم فيطاع و { ما يحكمون } موصول وصلته ، أي ساء الحكم الذي يحكمونه .

وهذه الآية وإن كانت واردة في شأن المشركين المؤذين للمؤمنين فهي تشير إلى تحذير المسلمين من مشابهتهم في اقتراف السيئات استخفافاً بوعيد الله عليها لأنهم في ذلك يأخذون بشيء من مشابهة حسبان الانفلات ، وإن كان المؤمن لا يظن ذلك ولكنه ينزل منزلة من يظنه لإعراضه عن الوعيد حين يقترف السيئة .