التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ مَا يَدۡعُونَ مِن دُونِهِۦ مِن شَيۡءٖۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (42)

ثم بين - سبحانه - أن علمه شامل لكل شئ ، وأنه سيجازى هؤلاء المشركين بما يستحقونه من عقاب فقال : { إِنَّ الله يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ وَهُوَ العزيز الحكيم } .

و " ما " موصولة ، وهى مفعول يعلم ، والعائد محذوف ، و " من شئ " بيان لما .

أى : إن الله - تعالى - يعلم علماً تاماً الذى يعبده هؤلاء المشركون من دونه ، سواء أكان ما يعبدونه من الجن أم من الإِنس أم من الجمادات أم من غير ذلك ، { وَهُوَ } - سبحانه - { العزيز } أى : الغالب على كل شئ { الحكيم } فى أقواله وأفعاله .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{إِنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ مَا يَدۡعُونَ مِن دُونِهِۦ مِن شَيۡءٖۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (42)

القول في تأويل قوله تعالى : { إِنّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَتِلْكَ الأمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَآ إِلاّ الْعَالِمُونَ } .

اختلف القرّاء في قراءة قوله : إنّ اللّهَ يَعْلَمُ ما يدْعُونَ فقرأته عامة قرّاء الأمصار «تَدْعُونَ » بالتاء بمعنى الخطاب لمشركي قريش إنّ اللّهَ أيها الناس «يَعْلَمُ ما تَدْعُونَ إلَيْهِ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ » . وقرأ ذلك أبو عمرو : إنّ اللّهَ يَعْلَمُ ما يَدْعُونَ بالياء بمعنى الخبر عن الأمم ، إن الله يعلم ما يدعو هؤلاء الذين أهلكناهم من الأمم من دونه من شيء .

والصواب من القراءة في ذلك عندنا ، قراءة من قرأ بالتاء ، لأن ذلك لو كان خبرا عن الأمم الذين ذكر الله أنه أهلكهم ، لكان الكلام : إن الله يعلم ما كانوا يدعون ، لأن القوم في حال نزول هذا الخبر على نبيّ الله لم يكونوا موجودين ، إذ كانوا قد هلكوا فبادوا ، وإنما يقال : إن الله يعلم ما تدعون إذا أريد به الخبر عن موجودين ، لا عمن قد هلك .

فتأويل الكلام إذ كان الأمر كما وصفنا : إن الله يعلم أيها القوم حال ما تعبدون من دونه من شيء ، وأن ذلك لا ينفعكم ولا يضرّكم ، إن أراد الله بكم سوءا ، ولا يغني عنكم شيئا وإن مثله في قلة غنائه عنكم ، مَثَلُ بيت العنكبوت في غنَائه عنها .

وقوله : وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ يقول : والله العزيز في انتقامه ممن كفر به ، وأشرك في عبادته معه غيره فاتقوا أيها المشركون به عقابه بالإيمان به قبل نزوله بكم ، كما نزل بالأمم الذين قصّ الله قصصهم في هذه السورة عليكم ، فإنه إن نزل بكم عقابُه لم تغن عنكم أولياؤكم الذين اتخذتموهم من دونه أولياء ، كما لم يُغْنِ عنهم من قبلكم أولياؤهم الذين اتخذوهم من دونه ، الحكيم في تدبيره خلقه ، فمُهلك من استوجب الهلاك في الحال التي هلاكه صلاح ، والمؤخر من أخّر هلاكه من كفرة خلقه به إلى الحين الذي في هلاكه الصلاح .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ مَا يَدۡعُونَ مِن دُونِهِۦ مِن شَيۡءٖۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (42)

وقوله { إن الله يعلم ما تدعون من دونه من شيء } .

قرأ أبو عمرو وسلام «يعلم ما » بالإدغام ، وقرأ عامة القراء بالفلك ، وقرأ الجمهور «تدعون » بالتاء من فوق ، وقرأ أبو عمرو وعاصم بخلاف «يدعون » بالياء من تحت على الغيبة ، فأما موضع { ما } من الإعراب فقيل معناه أن الله يعلم الذين يدعون من دونه من جميع الأشياء أن حالهم هذه وأنهم لا قدرة لهم ، وقيل قوله { إن الله يعلم } إخبار تام ، وقوله { وهو العزيز الحكيم } متصل به ، واعترض بين الكلامين { ما تدعون من دونه من شيء } ، وذلك على هذا النحو من النظر يحتمل معنيين أحدهما أن تكون { ما } نافية أي لستم تدعون شيئاً له بال ولا قدر ولا خلاق فيصلح أن يسمى شيئاً وفي هذا تعليق { يعلم } وفيه نظر ، الثاني أن تكون { ما } استفهاماً كأنه قرر على جهة التوبيخ على هذا المعبود من جميع الأشياء ما هو إذا لم يكن الله تعالى أي ليس لهم على هذا التقرير جواب مقنع البتة ، ف { من } على القول الأول والثالث للتبعيض المجرد ، وعلى القول الوسط هي زائدة في الجحد ومعناها التأكيد ، وقال أبو علي { ما } استفهام نصب ب { تدعون } ولا يجوز نصبها ب { يعلم } ، والتقدير أن الله يعلم أوثاناً تدعون من دونه أو غيره لا يخفى ذلك عليه .