ثم ضرب الله مثلا ، لمن يتخذ آلهة من دونه : وتوعد من يفعل ذلك بأشد أنواع العذاب ، فقال - تعالى - { مَثَلُ الذين اتخذوا . . . إِلاَّ العالمون } .
والمثَل والمِثْل : النظير والشبيه ، ثم أطلق المثل على القول السائر المعروف ، لمماثلة مضربه - وهو الذى يضرب فيه - لمورده - وهو الذى ورد فيه أولا - ولا يكون إلا فيما فيه غرابة - ثم استعير للصفة أو الحال أو القصة ، إذا كان لها شأن عجيب ، وفيها غرابة . وعلى هذا المعنى يحمل المثل هنا .
وإنما تضرب الأمثال لإِيضاح المعنى الخفى ، وتقريب الشئ المعقول من الشئ المحسوس ، وعرض الغائب فى صورة الحاضر ، فيكون المعنى الذى ضرب له المثل ، أوقع فى القلوب ، وأثبت فى النفوس .
والعنكبوت : حشرت معروفة ، تنسج لنفسها فى الهواء بيتا رقيقا ضعيفا ، لا يغنى عنا شيئا ، وتطلق هذه الكلمة على الواحد والجمع والمذكر والمؤنث والغالب فى استعمالها التأنيث . والواو والتاء زائدتان ، كما فى لفظ طاغوت .
والمعنى : حال هؤلاء المشركين الذين اتخذوا من دون الله - تعالى - أصناماً يعبدونها ، ويرجون نفعها وشفاعتها . . كحال العنكبوت فى اتخاذها بيتاً ضعيفاً مهلهلاً ، لا ينفعها لا فى الحر ولا فى القر ، ولا يدفع عنها شيئاً من الأذى .
فالمقصود من المثل تجهيل المشركين وتقريعهم ، حيث عبدوا من دون الله - تعالى - آلهة ، هى فى ضعفها ووهنا تشبه بيت العنكبوت ، وأنهم لو كانوا من ذوى العلم لما عبدوا تلك الآلهة .
قال صاحب الكشاف : الغرض تشبيه ما اتخذوه متكلاً ومتعمداً فى دينهم ، وتولوه من دون الله ، بما هو مثل عند الناس فى الوهن وضعف القوة . وهو نسج العنكبوت . ألا ترى غلى مقطع التشبيه ، وهو قوله : { وَإِنَّ أَوْهَنَ البيوت لَبَيْتُ العنكبوت } .
فإن قلت : ما معنى قوله : { لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } وكل أحد يعلم وهن بيت العنكبوت ؟ قلت : معناه ، لو كانوا يعلمون أن هذا مثلهم ، وأن أمر دينهم بالغ هذه الغاية من الوهن . .
وقال الآلوسى : قوله : { لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } أى : لو كانوا يعلمون شيئاً من الأشياء ، لعلموا أن هذا مثلهم ، أو أن أمر دينهم بالغ هذه الغاية من الوهن . و " لو " شرطية ، وجوابها محذوف ، وجوز بعضهم كونها لللتمنى فى جواب لها ، وهو غير ظاهر .
القول في تأويل قوله تعالى : { مَثَلُ الّذِينَ اتّخَذُواْ مِن دُونِ اللّهِ أَوْلِيَآءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } .
يقول تعالى ذكره : مثل الذين اتخذوا الاَلهة والأوثان من دون الله أولياء يرجون نَصْرها ونفعها عند حاجتهم إليها في ضعف احتيالهم ، وقبح رواياتهم ، وسوء اختيارهم لأنفسهم ، كمَثلِ العنكبوت في ضعفها ، وقلة احتيالها لنفسها ، اتخذت بيتا لنفسها ، كيما يُكِنّها ، فلم يغن عنها شيئا عند حاجتها إليه ، فكذلك هؤلاء المشركون لم يغن عنهم حين نزل بهم أمر الله ، وحلّ بهم سخطه أولياؤُهم الذين اتخذوهم من دون الله شيئا ، ولم يدفعوا عنهم ما أحلّ الله بهم من سخطه بعبادتهم إياهم . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله مَثَلُ الّذِينَ اتّخَذُوا مِنْ دُونِ اللّهِ أوْلِياءَ كمَثَلِ العَنْكَبُوتِ اتّخَذَتْ بَيْتا . . . إلى آخر الاَية ، قال : ذلك مثل ضربه الله لمن عبد غيره ، إن مثله كمثل بيت العنكبوت .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة ، قوله مَثَلُ الّذِينَ اتّخَذُوا مِنْ دُونِ اللّهِ أوْلياءَ كمَثَلِ العَنْكَبُوتِ قال : هذا مثل ضربه الله للمشرك مثَلُ إلهه الذي يدعوه من دون الله كمثل بيت العنكبوت واهن ضعيف لا ينفعه .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله مَثَلُ الّذِينَ اتّخَذُوا مِنْ دُونِ اللّهِ أوْلِياء كمَثَلِ العَنْكَبُوتِ اتّخَذَتْ بَيْتا قال : هذا مثل ضربه الله ، لا يغني أولياؤهم عنهم شيئا كما لا يغني العنكبوت بيتها هذا .
وقوله : وإنّ أوْهَنَ البُيُوتِ يقول : وإن أضعف البيوت لَبَيْتُ العَنْكَبُوتِ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ يقول تعالى ذكره : لو كان هؤلاء الذين اتخذوا من دون الله أولياء ، يعلمون أن أولياءهم الذين اتخذوهم من دون الله في قلة غنائهم عنهم ، كغناء بيت العنكبوت عنها ، ولكنهم يجهلون ذلك ، فيحسبون أنهم ينفعونهم ويقرّبونهم إلى الله زلفى .
شبه تعالى الكفار في عبادتهم الأصنام وبنائهم جميع أمورهم على ذلك ب { العنكبوت } التي تبني وتجتهد وأمرها كلها ضعيف متى مسته أدنى هابة أذهبته فكذلك أمر أولئك وسعيهم مضمحل لا قوة له ولا معتمد ، ومن حديث ذكره النقاش «العنكبوت شيطان مسخه الله تعالى فاقتلوه »{[9254]} ، وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال : «طهروا بيوتكم من نسج العنكبوت فإن تركه يورث الفقر » ، وقوله { لو كانوا يعلمون } ، أي { يعلمون } أن هذا مثلهم وأن حالهم ونسبتهم من الحق هذه الحال{[9255]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.