التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَقَالَتۡ أُولَىٰهُمۡ لِأُخۡرَىٰهُمۡ فَمَا كَانَ لَكُمۡ عَلَيۡنَا مِن فَضۡلٖ فَذُوقُواْ ٱلۡعَذَابَ بِمَا كُنتُمۡ تَكۡسِبُونَ} (39)

أى : قال الزعماء لأتباعهم بعد أن سمعوا رد الله عليهم : إنا وإياكم متساوون في استحقاق العذاب ، ولكنا فيه سواء ، لأنا لم نجبركم على الكفر ، ولكنكم أنتم الذين كفرتم باختياركم ، وضللتم بسبب جهلكم ، فذوقوا العذاب المضاعف مثلنا بسبب ما اكتسبتموه في الدنيا من قبئاح ومنكرات :

فقوله - تعالى - { بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ } بيان لأسباب الحكم عليهم .

وأنهم ما وردوا هذا المصير الأليم إلا بسبب ، ما اكتسبوه من آثام : واجترحوه من سيئات .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَقَالَتۡ أُولَىٰهُمۡ لِأُخۡرَىٰهُمۡ فَمَا كَانَ لَكُمۡ عَلَيۡنَا مِن فَضۡلٖ فَذُوقُواْ ٱلۡعَذَابَ بِمَا كُنتُمۡ تَكۡسِبُونَ} (39)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَقَالَتْ أُولاَهُمْ لاُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ } .

يقول جلّ ثناؤه : وقالت أولى كلّ أمة وملة سبقت في الدنيا لأخراها الذين جاءوا من بعدهم وحدثوا بعد زمانهم فيها ، فسلكوا سبيلهم واستنوا سنتهم : فَمَا كانَ لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ وقد علمتم ما حلّ بنا من عقوبة الله بمعصيتنا إياه وكفرنا به ، وجاءتنا وجاءتكم بذلك الرسل والنّذر ، هل انتهيتم إلى طاعة الله ، وارتدعتم عن غوايتكم وضلالتكم ؟ فانقضت حجة القوم وخصموا ولم يطيقوا جوابا بأن يقولوا فُضّلنا عليكم أنا اعتبرنا بكم فآمنا بالله وصدّقنا رسله ، قال الله لجميعهم : فذوقوا جميعكم أيها الكفرة عذاب جهنم ، بما كنتم في الدنيا تكسبون من الاَثام والمعاصي ، وتجترحون من الذنوب والأجرام

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا المعتمر ، قال : سمعت عمران ، عن أبي مجلز : وَقالَتْ أُولاهم لاِخْرَاهُمْ فَمَا كانَ لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا العَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ قال : يقول : فما فضلكم علينا ، وقد بين لكم ما صنع بنا وحُذرتم .

حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : وَقالَتْ أُولاهُمْ لاِخْرَاهُمْ فَمَا كانَ لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ فقد ضللتم كما ضللنا .

وكان مجاهد يقول في هذا بما :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : فَمَا كانَ لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ قال : من التخفيف من العذاب .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : فَمَا كانَ لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْل قال : من تخفيف .

وهذا القول الذي ذكرناه عن مجاهد قول لا معنى له ، لأن قول القائلين : فما كان لكم علينا من فضل ، لمن قالوا ذلك إنما هو توبيخ منهم على ما سلف منهم قبل تلك الحال ، يدلّ على ذلك دخول «كان » في الكلام ، ولو كان ذلك منهم توبيخا لهم على قيلهم الذي قالول لربهم : آتهم عذابا ضعفا من النار ، لكان التوبيخ أن يقال : فما لكم علينا من فضل في تخفيف العذاب عنكم وقد نالكم من العذاب ما قد نالنا . ولم يقل : فما كان لكم علينا من فضل .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَقَالَتۡ أُولَىٰهُمۡ لِأُخۡرَىٰهُمۡ فَمَا كَانَ لَكُمۡ عَلَيۡنَا مِن فَضۡلٖ فَذُوقُواْ ٱلۡعَذَابَ بِمَا كُنتُمۡ تَكۡسِبُونَ} (39)

وقوله تعالى : { قالت أخراهم لأولاهم } معناه قالت الأمة الأخيرة التي وجدت ضلالات مقررة وسنناً كاذبة مستعملة للأولى التي شرعت ذلك وافترت على الله وسلكت سبيل الضلال ابتداء ، ربنا هؤلاء طرقوا طرق الضلال وسببوا ضلالنا فآتهم عذاباً مضاعفاً أي ثانياً زائداً على عذابنا إذ هم كافرون ومسببون كفرنا وتقول ضاعفت كذا إذا جعلته مثل الأول ، واللام في قوله { لأولادهم } كأنها لام سبب إذ القول إنما هو للرب ، ثم قال عز وجل مخبراً لهم { لكل ضعف } أي العذاب مشدد على الأول والآخر ولكن لا تعلمون أي المقادير وصور التضعيف ، وهذا رد لكلام هؤلاء ، إذ ليس لهم كرامة فيظهر إسعافهم .

وأما المعنى الذي دعوا فيه فظاهر حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه حاصل وأن كل من سن كفراً أو معصية فعليه كفل من جهة كل من عمل بذلك بعده ، ومنه حديث أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : «ما من داع دعا إلى ضلالة إلا كان عليه وزره ووزر من اتبعه لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئاً » الحديث ، ذكره الليث بن سعد من آخر الجزء الرابع من حديثه ، وذكره مالك في الموطأ غير مسند موصل ، ومنه قوله «ما تقتل نسمة ظلماً إلا كان على ابن آدم الأول كفل منها » ، أما أن هؤلاء عينوا في جميع السبعة غير عاصم في رواية أبي بكر «ولكن لا تعلمون » بالتاء ويحتمل ذلك أن يكون مخاطبة لمحمد وأمته ، وقرأ عاصم وحده في رواية أبي بكر «ولكن لا يعلمون » ، وروى حفص عن عاصم مثل قراءة الجماعة ، وهذه مخاطبة لأمة محمد وإخبار عن الأمة الأخيرة التي طلبت أن يشدد العذاب على أولاها ، ويحتمل أن يكون خبراً عن الطائفتين حملاً على لفظة «كل » ، أي لا يعلم أحد منهم قدر ما أعد لهم من عذاب الله .

وقوله عز وجل : { وقالت أولاهم لأخراهم } الآية ، المعنى وقالت الأمة الأولى المبتدعة للأمة الأخيرة المتبعة أنتم لا فضل لكم علينا ولم تزدجروا حين جاءتكم النذر والرسل ، بل دمتم في كفركم وتركتم النظر واستوت حالنا وحالكم فذوقوا العذاب باجترامكم ، هذا قول السدي وأبي مجلز وغيرهما ، فقوله فذوقوا على هذا من كلام الأمة المتقدمة للأمة المتأخرة ، وقيل قوله { فذوقوا } هو من كلام الله عز وجل لجميعهم ، وقال مجاهد ومعنى قوله { من فضل } أي «من » التخفيف .

قال القاضي أبو محمد : معناه أنه لما قال الله { لكل ضعف } قال الأولون للآخرين لم تبلغوا أملاً في أن يكون عذابكم أخف من عذابنا ولا فضلتم بالإسعاف والنص عليه .