التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَإِن يَمۡسَسۡكَ ٱللَّهُ بِضُرّٖ فَلَا كَاشِفَ لَهُۥٓ إِلَّا هُوَۖ وَإِن يُرِدۡكَ بِخَيۡرٖ فَلَا رَآدَّ لِفَضۡلِهِۦۚ يُصِيبُ بِهِۦ مَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦۚ وَهُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ} (107)

ثم بين - سبحانه - أنه وحده هو الضار والنافع فقال : { وَإِن يَمْسَسْكَ الله بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الغفور الرحيم } .

" المس " : أعم من اللمس في الاستعمال ، يقال : مسه السوء والكبر والعذاب والتعب ، أى : أصابه ذلك ونزل به .

والضر : اسم للألم والحزن وما يفضى إليهما أو إلى أحدهما ، كما أن النفع اسم للذة والسرور وما يفضى إليهما أو إلى أحدهما .

والخير : اسم لكل ما كان فيه منفعة أو مصلحة حاضرة أو مستقبلة .

والمعنى : { وَإِن يَمْسَسْكَ الله بِضُرٍّ } كمرض وتعب وحزن ، فلا كاشف له ، أى : لهذا الضر { إِلاَّ هُوَ } - سبحانه - .

{ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ } كمنحة وغنى وقوة { فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ } أى : فلا يستطيع أحد أن يرد هذا الخير عنك .

وعبر - سبحانه - بالفضل مكان الخير للإِرشاد إلى تفضله على عباده بأكثر مما يستحقون من خيرات .

وقوله { يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ } أى : يصيب بذلك الفضل والخير { مَن يَشَآءُ } إصابته { مِنْ عِبَادِهِ } .

{ وَهُوَ الغفور الرحيم } أى : وهو الكثير والمغفرة والرحمة لمن تاب إليه ، وتوكل عليه ، وأخلص له العبادة .

وفى معنى هذه الآية جاء قوله - تعالى - : { مَّا يَفْتَحِ الله لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ العزيز الحكيم } وقال ابن كثير : " وروى ابن عساكر عن أنس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " اطلبوا اليخر دهركم كله ، وتعرضوا لنفحات ربكم ، فإن لله نفحات من رحمته ، يصيب بها من يشاء من عباده ، واسألوه أن يستر عوراتكم ، ويؤمن روعاتكم " .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَإِن يَمۡسَسۡكَ ٱللَّهُ بِضُرّٖ فَلَا كَاشِفَ لَهُۥٓ إِلَّا هُوَۖ وَإِن يُرِدۡكَ بِخَيۡرٖ فَلَا رَآدَّ لِفَضۡلِهِۦۚ يُصِيبُ بِهِۦ مَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦۚ وَهُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ} (107)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرّحِيمُ } .

يقول تعالى ذكره لنبيه : وإن يصبك الله يا محمد بشدّة أو بلاء فلا كاشف لذلك إلا ربك الذي أصابك به دون ما يعبده هؤلاء المشركون من الاَلهة والأنداد . وَإنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ يقول : وإن يردك ربك برخاء أو نعمة وعافية وسرور ، فَلا رادّ لِفَضْلِهِ يقول : فلا يقدر أحد أن يحول بينك وبين ذلك ولا يردّك عنه ولا يحرمكه لأنه الذي بيده السرّاء والضرّاء دون الاَلهة والأوثان ودون ما سواه . يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ يقول : يصيب ربك يا محمد بالرخاء والبلاء والسرّاء والضرّاء من يشاء ويريد من عباده ، وهو الغفور لذنوب من تاب وأناب من عباده من كفره وشركه إلى الإيمان به وطاعته ، الرحيم بمن آمن به منهم وأطاعه أن يعذّبه بعد التوبة والإنابة .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَإِن يَمۡسَسۡكَ ٱللَّهُ بِضُرّٖ فَلَا كَاشِفَ لَهُۥٓ إِلَّا هُوَۖ وَإِن يُرِدۡكَ بِخَيۡرٖ فَلَا رَآدَّ لِفَضۡلِهِۦۚ يُصِيبُ بِهِۦ مَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦۚ وَهُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ} (107)

{ وإن يمسسك الله بضر } وإن يصبك به . { فلا كاشف له } يرفعه . { إلا هو } إلا الله . { وإن يُردك بخير فلا رادّ } فلا دافع . { لفضله } الذي أرادك به ولعله ذكر الإرادة مع الخير والمس مع الضر مع تلازم الأمرين للتنبيه على أن الخير مراد بالذات وأن الضر إنما مسهم لا بالقصد الأول ، ووضع الفضل موضع الضمير للدلالة على أنه متفضل بما يرد بهم من الخير لا استحقاق لهم عليه ، ولم يستثن لأن مراد الله لا يمكن رده . { يصيب به } بالخير . { من يشاء من عباده وهو الغفور الرحيم } فتعرضوا لرحمته بالطاعة ولا تيأسوا من غفرانه بالمعصية .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَإِن يَمۡسَسۡكَ ٱللَّهُ بِضُرّٖ فَلَا كَاشِفَ لَهُۥٓ إِلَّا هُوَۖ وَإِن يُرِدۡكَ بِخَيۡرٖ فَلَا رَآدَّ لِفَضۡلِهِۦۚ يُصِيبُ بِهِۦ مَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦۚ وَهُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ} (107)

عطف على جملة : { ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك } [ يونس : 106 ] لقصد التعريض بإبطال عقيدة المشركين أن الأصنام شفعاء عند الله ، فلما أبطَلت الآية السابقة أن تكون الأصنام نافعة أو ضارة ، وكان إسناد النفع أو الضر أكثر ما يقع على معنى صدورهما من فاعلهما ابتداء ، ولا يتبادر من ذلك الإسناد معنى الوساطة في تحصيلهما من فاعل ، عقبت جملة { ولا تدْعُ من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك } [ يونس : 106 ] بهذه الجملة للإعلام بأن إرادة الله النفع أو الضر لأحد لا يستطيع غيره أن يصرفه عنها أو يتعرض فيها إلا من جعل الله له ذلك بدعاء أو شفاعة .

ووجه عطفها على الجملة السابقة لما بينهما من تغاير في المعنى بالتفصيل والزيادة ، وبصيغتي العموم في قوله : { فلا كاشف له إلا هو } وفي قوله : { فلا رادَّ لفضله } الداخل فيهما أصنامهم وهي المقصودة ، كما صُرح به في قوله تعالى في سورة [ الزمر : 38 ] { أفرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هن مُمسكات رحمته }

وتوجيهُ الخطاب للنبيء لأنه أولى الناس بالخير ونفي الضر . فيعلم أن غيره أولى بهذا الحكم وهذا المقصود .

والمس : حقيقته وضع اليد على جسم لاختبار ملمسه ، وقد يطلق على الإصابة مجازاً مرسلاً . وقد تقدم عند قوله تعالى : { إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان } في آخر سورة [ الأعراف : 201 ] .

والإرادة بالخير : تقديرُه والقصدُ إليه . ولما كان الذي لا يعجزه شيء ولا يتردد علمه فإذا أراد شيئاً فعله ، فإطلاق الإرادة هنا كناية عن الإصابة كما يدل عليه قوله بعده : { يصيب به من يشاء من عباده } . وقد عبر بالمس في موضع الإرادة في نظيرها في سورة [ الأنعام : 17 ] { وإن يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير } ولكن عبر هنا بالإرادة مبالغة في سلب المقدرة عمن يريد معارضة مراده تعالى كائناً من كان بحيث لا يستطيع التعرض لله في خيره ولو كان بمجرد إرادته قبل حصول فعله ، فإن التعرض حينئذٍ أهون لأن الدفع أسهل من الرفع ، وأما آية سورة الأنعام فسياقها في بيان قدرة الله تعالى لا في تنزيهه عن المعارض والمعاند .

والفضل : هو الخير ، ولذلك فإيقاعه موقع الضمير للدلالة على أن الخير الواصل إلى الناس فضل من الله لا استحقاق لهم به لأنهم عبيد إليه يصيبهم بما يشاء .

وتنكير ( ضُر ) و ( خير ) للنوعية الصالحة للقلة والكثرة .

وكل من جملة ؛ فلا كاشف له إلا هو } وجملة : { فلا رادَّ لفضله } جواب للشرط المذكور معها ، وليس الجواب بمحذوف .

وجملة : { يصيب به من يشاء من عباده } واقعة موقع البيان لما قبلها والحوصلة له ، فلذلك فصلت عنها .

والضمير المجرور بالباء عائد إلى الخير ، فيكون امتناناً وحثاً على التعرض لمرضاة الله حتى يكون مما حقت عليهم مشيئة الله أن يصيبهم بالخير ؛ أو يعودُ إلى ما تقدم من الضر ، والضمير باعتبار أنه مذكور فيكون تخويفاً وتبشيراً وتحذيراً وترغيباً .

وقد أجملت المشيئة هنا ولم تبين أسبابها ليسلك لها الناس كل مسلك يأملون منه تحصيلها في العطاء وكل مسلك يتقون بوقعهم فيها في الحرمان .

والإصابة : اتصال شيء بآخر ووروده عليه ، وهي في معنى المس المتقدم ، فقوله : { يصيب به من يشاء } هو في معنى قوله في سورة [ الأنعام : 17 ] { وإن يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير } .

والتذييل بجملة : { وهو الغفور الرحيم } يشير إلى أن إعطاء الخير فضل من الله ورحمة وتجاوز منه تعالى عن سيئات عباده الصالحين ، وتقصيرهم وغفلاتهم ، فلو شاء لما تجاوز لهم عن شيء من ذلك فتورطوا كلهم .

ولولا غفرانه لَما كانوا أهلاً لإصابة الخير ، لأنهم مع تفاوتهم في الكمال لا يخلون من قصور عن الفضل الخالد الذي هو الكمال عند الله ، كما أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : « إني ليُغان على قلبي فأستغفر الله في اليوم سبعين مرة » .

ويشير أيضاً إلى أن الله قد تجاوز عن كثير من سيئات عباده المسْرفين ولم يؤاخذهم إلا بما لا يرضى عنه بحال كما قال : { ولا يرضَى لعباده الكفر } [ الزمر : 7 ] ، وأنه لولا تجاوزه عن كثير لمسهم الله بضر شديد في الدنيا والآخرة .