اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَإِن يَمۡسَسۡكَ ٱللَّهُ بِضُرّٖ فَلَا كَاشِفَ لَهُۥٓ إِلَّا هُوَۖ وَإِن يُرِدۡكَ بِخَيۡرٖ فَلَا رَآدَّ لِفَضۡلِهِۦۚ يُصِيبُ بِهِۦ مَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦۚ وَهُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ} (107)

قوله تعالى : { وَإِن يَمْسَسْكَ الله بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ } الآية .

قوله : " وَإِنْ يَمْسَسْكَ " قد تقدَّم ما في ذلك من صناعة البديع في سورة الأنعام [ الأنعام : 17 ] . وقال هنا في جواب الشَّرط الأول بنفي عام ، وإيجاب ، وفي جواب الثاني بنفي عام دون إيجاب ؛ لأنَّ ما أرادَه لا يردُّه رادٌّ ، لا هو ولا غيره ، لأنَّ إرادتهُ قديمةٌ لا تتغيَّرُ ، فلذلك لم يجئ التَّركيب فلا رادَّ لهُ إلاَّ هو ، هذه عبارةُ أبي حيَّان ، وفيها نظرٌ ، وكأنَّهُ يقولُ بخلاف الكَشْفِ فإنه هو الفاعلُ لذلك وحدهُ دون غيره بخلاف إرادته تعالى ، فإنَّهُ لا يتصوَّر فيها الوقوعُ على خلافها ، وهي مسألةٌ خلافيَّةٌ بين أهل السُّنَّةِ والاعتزال .

قال الزمخشريُّ{[18643]} : فإن قلت : لم ذُكر المسُّ في أحدهما والإرادةُ في الثاني ؟ قلت : كأنَّه أراد أن يذكر الأمرين جميعاً : الإرادة والإصابة في كُلِّ واحدٍ من الضُّر والخَيْر ، وأنَّه لا رادَّ لما يريده منهما ، ولا مُزيلَ لِمَا يُصيب به منهما ، فأوجز الكلام بأن ذكر المسَّ وهو الإصابةُ في أحدهما ، والإرادة في الآخر ليدُلَّ بما ذكر على ما ترك ، على أنَّه قد ذكر الإصابة في الخير في قوله : { يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَآءُ } [ يونس : 107 ] .

فصل

اعلم أنَّ الشيء إمَّا أن يكون ضارّاً ، وإمَّا أن يكون نافعاً ، وهذان القسمان مشتركان في اسم الخير ، ولمَّا كان الضر أمراً وجودياً ، والخير قد يكون أمراً عدميّاً ، لا جرم لم يذكر لفظ الإمساس فيه بل قال : { وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ } والآية دالَّة على أنَّ الضرَّ والخيْر واقعان بقدرةِ الله وبقضائه ، فيدخل فيه الكفر ، والإيمان ، والطاعةُ ، والمعصيةُ ، والسرورُ والخيراتُ والآلامُ واللَّذاتُ .

ومعنى الآية : إن يُصبْكَ الله بضرٍّ أي : بشدَّة ، وبلاء فلا دافع لهُ إلاَّ هُوَ ، { وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ } رخاء ونعمة وسعة { فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ } لا دافع لرزقه ، { يُصَيبُ بِهِ } بكل واحدٍ من الضر والخير { مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الغفور الرحيم } .

قال الواحديُّ{[18644]} : قوله : { وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ } من المقلوب ، معناه : وإن يرد بك الخَيْرَ ، ولكنَّه لمَّا تعلَّق كل واحد منهما بالإرادةِ جاز تقديم كل واحد منهما .

قال المفسِّرون : لمَّا بيَّن تعالى في الآية الأولى أنَّ الأصنامَ لا تضرّ ولا تنفعُ بيَّن في هذه الآية أنَّها لا تقدر على دفع الشَّر الواصل من الغير ، ولا على دفع الخير الواصل من الغير .


[18643]:ينظر: تفسير الكشاف 2/375.
[18644]:ينظر: تفسير الفخر الرازي 17/140.