السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَإِن يَمۡسَسۡكَ ٱللَّهُ بِضُرّٖ فَلَا كَاشِفَ لَهُۥٓ إِلَّا هُوَۖ وَإِن يُرِدۡكَ بِخَيۡرٖ فَلَا رَآدَّ لِفَضۡلِهِۦۚ يُصِيبُ بِهِۦ مَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦۚ وَهُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ} (107)

ولما ذكر الله تعالى الأوثان وبيّن أنها لا تقدر على ضرّ ولا نفع بيّن تعالى أنه هو القادر على كل شيء وأنه ذو الجود والكرم والرحمة بقوله تعالى : { وإن يمسسك } أي : يصبك { الله بضرَ } كفقر ومرض { فلا كاشف } أي : لا دافع { له إلا هو } لأنه الذي أنزله بك { وإن يردك بخير } كرخاء وصحة { فلا رادّ } أي : دافع { لفضله } أي : الذي أرادك به { يصيب به } أي : بالخير { من يشاء من عباده وهو الغفور } أي : البليغ الستر للذنوب { الرحيم } أي : البالغ في الإكرام . وقرأ أبو عمرو وقالون والكسائي بسكون الهاء ، والباقون بالضم ، فرجح سبحانه وتعالى جانب الخير على جانب الشر من ثلاثة أوجه :

الأوّل : أنه تعالى لما ذكر إمساس الضر بين أنه لا كاشف له إلا هو ، وذلك يدل على أنه تعالى يزيل المضار ؛ لأنّ الاستثناء من النفي إثبات ، ولما ذكر الخير لم يقل بأنه يدفعه بل قال : إنه لا راد لفضله ، وذلك يدل على أنّ الخير مطلوب بالذات وأنّ الشر مطلوب بالعرض كما قال صلى الله عليه وسلم عن ربه تعالى أنه قال : «سبقت رحمتي غضبي » .

الثاني : أنه سبحانه وتعالى قال في صفة الخير يصيب به من يشاء من عباده ، وذلك يدل على أن جانب الخير أقوى وأغلب .

الثالث : أنه تعالى قال { وهو الغفور الرحيم } وهذا أيضاً يدل على قوّة جانب الرحمة . وحاصل الكلام في هذه الآية : أنه سبحانه وتعالى بيّن أنه منفرد بالخلق والإيجاد والتكوين والإبداع وأنه لا موجد سواه ولا معبود إلا إياه ، وأنّ جميع الممكنات مسندة إليه وجميع الكائنات محتاجة إليه ، فالأيدي مرفوعة إليه ، والحاجات منتهية إليه ، والعقول والهة فيه ، والرحمة والجود فائض منه .