التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡمَيۡتَةَ وَٱلدَّمَ وَلَحۡمَ ٱلۡخِنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيۡرِ ٱللَّهِ بِهِۦۖ فَمَنِ ٱضۡطُرَّ غَيۡرَ بَاغٖ وَلَا عَادٖ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (115)

ثم بين - سبحانه - ما حرمه على عباده رعاية لمصالحهم فقال : { إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الميتة والدم وَلَحْمَ الخنزير وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ الله بِهِ . . } .

والميتة في عرف الشرع : ما مات حتف أنفه ، أو قتل على هيئة غير مشروعة ، فيدخل فيها المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة ، وما عدا عليها السبع .

وكان الأكل من الميتة محرما ؛ لفساد جسمها بسبب ذبول أجزائه وتعفنها ؛ ولأنها أصبحت بحالة تعافها الطباع السليمة لقذارتها وضررها .

والدم المحرم : هو ما يسيل من الحيوان الحي ، كثيرا كان أم قليلا ، وكذلك يحرم من دم الحيوان ماجرى منه بعد ذبحه ، وهو الذي عبر عنه القرآن بالمسفوح . .

والحكمة في تحريم الدم المسفوح ، أنه تستقذره النفوس الكريمة ، ويفضي شربه أو أكله إلى الإِضرار بالنفس .

وحرمة الخنزير شاملة للحمه ودمه وشحمه وجلده . وإنما خص لحمه بالذكر لأنه المقصود بالأكل ؛ ولأن سائر أجزائه كالتابعة للحمه . . .

ومن الحكم في تحريم لحم الخنزير : قذارته ، واشتماله على دودة تضر بآكله ، كما أثبت ذلك العلم الحديث .

وقوله : { وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ الله بِهِ } ، معطوف على ما قبله من المحرمات .

والفعل { أهل } مأخوذ من الإِهلال ، بمعنى : رفع الصوت ، وكانوا في الجاهلية إذا أرادوا ذبح ما قربوه إلى آلهتهم ، سموا عليها أسماءها فيقولون : باسم اللات أو باسم العزى ، رافعين بذلك أصواتهم .

فأنت ترى أن تحريم الميتة والدم ولحم الخنزير كان لعله ذاتية في تلك الأشياء ، أما تحريم ما أهل لغير الله به ، بسبب التوجه بالمذبوح إلى غير الله - عز وجل - .

وقوله - تعالى - : { فَمَنِ اضطر غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ } ، بيان لحالات الضرورة التي يباح للإِنسان فيها أن يأكل من تلك المحرمات .

واضطر : من الاضطرار ، وهو الاحتياج إلى الشيء بشدة .

والمعنى : فمن ألجأته الضرورة إلى أكل شيء من هذه المحرمات ، حالة كونه { غير باغ } ، أي : غير طالب للمحرم وهو يجد غيره ، أو غير طالب له على جهة الاستئثار به على مضطر آخر ، { ولا عاد } ، أي : ولا متجاوز في أكله ما يسد الجوع ويحفظ الحياة ، { فإن الله } - تعالى - { غفور } واسع المغفرة لعبادة ، { رحيم } كثير الرحمة بهم .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡمَيۡتَةَ وَٱلدَّمَ وَلَحۡمَ ٱلۡخِنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيۡرِ ٱللَّهِ بِهِۦۖ فَمَنِ ٱضۡطُرَّ غَيۡرَ بَاغٖ وَلَا عَادٖ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (115)

القول في تأويل قوله تعالى : { إِنّمَا حَرّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالْدّمَ وَلَحْمَ الْخَنْزِيرِ وَمَآ أُهِلّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنّ اللّهَ غَفُورٌ رّحِيمٌ } .

يقول تعالى ذكره مكذّبا المشركين الذين كانوا يحرّمون ما ذكرنا من البحائر وغير ذلك : ما حرّم الله عليكم أيها الناس إلا الميتة والدم ولحم الخنزير وما ذبح للأنصاب فسُمّي عليه غير الله ؛ لأن ذلك من ذبائح من لا يحلّ أكل ذبيحته ، فمن اضطرّ إلى ذلك أو إلى شيء منه لمجاعة حلّت فأكله { غيرَ باغٍ وَلا عاد فإنّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } ، يقول : ذو ستر عليه أن يؤاخذه بأكله ذلك في حال الضرورة ، رحيم به أن يعاقبه عليه .

وقد بيّنا اختلاف المختلفين في قوله : { غيرَ باغٍ وَلا عادٍ } ، والصواب عندنا من القول في ذلك بشواهده فيما مضى بما أغنى عن إعادته .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { إنّمَا حَرّمَ عَلَيْكُمْ المَيْتَةَ والدّمَ . . . } الآية ، قال : وإن الإسلام دين يطهره الله من كلّ سوء ، وجعل لك فيه يا ابن آدم سعة إذا اضطررت إلى شيء من ذلك . قوله : { فَمَنِ اضْطُرّ غيرَ باغٍ وَلا عادٍ } ، غير باغ في أكله ولا عاد أن يتعدّى حلالاً إلى حرام ، وهو يجد عنه مندوحة .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡمَيۡتَةَ وَٱلدَّمَ وَلَحۡمَ ٱلۡخِنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيۡرِ ٱللَّهِ بِهِۦۖ فَمَنِ ٱضۡطُرَّ غَيۡرَ بَاغٖ وَلَا عَادٖ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (115)

{ إنما حرّم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أُهلّ لغير الله به فمن اضطُر غير باغ ولا عاد فإن الله غفور رحيم } ، لما أمرهم بتناول ما أحل لهم عدد عليهم محرماته ليعلم أن ما عداها حل لهم .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡمَيۡتَةَ وَٱلدَّمَ وَلَحۡمَ ٱلۡخِنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيۡرِ ٱللَّهِ بِهِۦۖ فَمَنِ ٱضۡطُرَّ غَيۡرَ بَاغٖ وَلَا عَادٖ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (115)

هذه الجملة بيان لمضمون جملة { فكلوا مما رزقكم الله حلالاً طيباً } [ سورة النحل : 114 ] لتمييز الطيّب من الخبيث ، فإن المذكورات في المحرّمات هي خبائث خُبثاً فطرياً لأن بعضها مفسد لتولد الغذاء لما يشتمل عليه من المضرّة . وتلك هي الميتة ، والدم ، ولحم الخنزير ؛ وبعضها منافٍ للفطرة وهو ما أهلّ به لغير الله لأنه منافٍ لشكر المنعم بها ، فالله خلق الأنعام ، والمشركون يذكرون اسم غير الله عليها .

ولإفادة بيان الحلال الطيّب بهذه الجملة جيء فيها بأداة الحصر ، أي ما حرّم عليكم إلا الأربعَ المذكورات ، فبقي ما عداها طيّباً .

وهذا بالنظر إلى الطيِب والخُبث بالذات . وقد يعرض الخبث لبعض المطعومات عرضاً .

ومناسبة هذا التحديد في المحرّمات أن بعض المسلمين كانوا بأرض غُربة وقد يؤكل فيها لحم الخنزير وما أهلّ به لغير الله ، وكان بعضهم ببلد يؤكل فيه الدم وما أهلّ به لغير الله . وقد مضى تفسير نظير هذه الآية في سورة البقرة والأنعام .