مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡمَيۡتَةَ وَٱلدَّمَ وَلَحۡمَ ٱلۡخِنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيۡرِ ٱللَّهِ بِهِۦۖ فَمَنِ ٱضۡطُرَّ غَيۡرَ بَاغٖ وَلَا عَادٖ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (115)

قوله تعالى { إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن الله غفور رحيم } .

اعلم أن هذه الآية إلى آخرها مذكورة في سورة البقرة مفسرة هناك ولا فائدة في الإعادة ، وأقول : إنه تعالى حصر المحرمات في هذه الأشياء الأربعة في هذه السورة لأن لفظة : { إنما } تفيد الحصر وحصرها أيضا في هذه الأربعة في سورة الأنعام في قوله تعالى : { قل لا أجد فيما أوحي إلى محرما على طاعم } وهاتان السورتان مكيتان ، وحصرها أيضا في هذه الأربعة في سورة البقرة لأن هذه الآية بهذه اللفظة وردت في سورة البقرة وحصرها أيضا في سورة المائدة فإنه تعالى قال في أول هذه السورة : { أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم } فأباح الكل إلا ما يتلى عليهم . وأجمعوا على أن المراد بقوله : { عليكم } هو قوله تعالى في تلك السورة : { حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله } فذكر تلك الأربعة المذكورة في تلك السور الثلاثة ثم قال : { والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم } وهذه الأشياء داخلة في الميتة ، ثم قال : { وما ذبح على النصب } وهو أحد الأقسام الداخلة تحت قوله : { وما أهل به لغير الله } فثبت أن هذه السور الأربعة دالة على حصر المحرمات في هذه الأربع سورتان مكيتان ، وسورتان مدنيتان ، فإن سورة البقرة مدنية . وسورة المائدة من آخر ما أنزل الله تعالى بالمدينة ، فمن أنكر حصر التحريم في هذه الأربع إلا ما خصه الإجماع والدلائل القاطعة كان في محل أن يخشى عليه ، لأن هذه السورة دلت على أن حصر المحرمات في هذه الأربع كان شرعا ثابتا في أول أمر مكة وآخرها ، وأول المدينة وآخرها وأنه تعالى أعاد هذا البيان في هذه السور الأربع قطعا للأعذار وإزالة للشبهة ، والله أعلم .