السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡمَيۡتَةَ وَٱلدَّمَ وَلَحۡمَ ٱلۡخِنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيۡرِ ٱللَّهِ بِهِۦۖ فَمَنِ ٱضۡطُرَّ غَيۡرَ بَاغٖ وَلَا عَادٖ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (115)

وتقدّم تفسير قوله تعالى : { إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهلّ لغير الله به فمن اضطرّ غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إنّ الله غفور رحيم } [ البقرة ، 173 ] في سورة البقرة فلا إفادة في تفسير ذلك . وقرأ أبو عمرو وعاصم وحمزة : { فمن اضطر } في الوصل بكسر النون ، والباقون بالضمّ .

تنبيه : حصر المحرمات في هذه الأشياء الأربعة مذكور أيضاً في سورة الأنعام عند قوله تعالى : { قل لا أجد فيما أوحي إليّ محرّماً على طاعم يطعمه } [ الأنعام ، 145 ] الآية . وفي سورة المائدة في قوله تعالى : { أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم } [ المائدة ، 41 ] ، وأجمعوا على أنّ المراد بقوله تعالى : { إلا ما يتلى عليكم } ، هو قوله تعالى في سورة البقرة : { حرّم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهلّ به لغير الله } [ البقرة ، 173 ]

وقوله تعالى في المائدة : { والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم } [ المائدة ، 3 ]

فهذه الأشياء داخلة في الميتة . ثم قال تعالى : { وما ذبح على النصب } [ المائدة ، 3 ] ، وهو أحد الأشياء الداخلة تحت قوله تعالى : { وما أهل به لغير الله } [ البقرة ، 173 ] ، فثبت أنّ هذه السور الأربعة دالة على حصر المحرمات في هذه الأربعة : سورتان مكيتان وسورتان مدنيتان ، فإنّ سورة البقرة مدنية ، وسورة المائدة من آخر ما أنزل الله بالمدينة ، فمن أنكر حصر التحريم في هذه الأربعة إلا ما خصه الإجماع والدلائل العقلية القاطعة كان في محل أن يخشى عليه ؛ لأنّ هذه السورة دلت على أنّ حصر المحرمات في هذه الأربعة كان مشروعاً ثابتاً في أوّل زمان مكة وآخره ، وأوّل زمان المدينة ، وأنه تعالى أعاد هذا البيان في هذه السور الأربعة قطعاً للأعذار وإزالة للشبهة .