تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡمَيۡتَةَ وَٱلدَّمَ وَلَحۡمَ ٱلۡخِنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيۡرِ ٱللَّهِ بِهِۦۖ فَمَنِ ٱضۡطُرَّ غَيۡرَ بَاغٖ وَلَا عَادٖ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (115)

الآية : 115 وقوله تعالى : { إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير } ، أي : حرم أكل الميتة وما ذكر ، كأنه قال هذا ، وذكر على إثر تحريمهم أشياء أحل لهم ، نحو ما حرموا على أنفسهم أشياء أحل لهم من الزرع والأنعام والبحيرة والسائبة وما ذكر ، فقال : لم يحرم ذاك ، وإنما حرم ما ذكر من الميتة والدم ولحم الخنزير ونحوه ، على هذا يجوز أن يخرج تأويله ، وإما على الابتداء فإنه يبعد والله أعلم .

وقوله تعالى : { فمن اضطر } إلى ما ذكر من المحرمات { غير باغ }على ما نهي عنه ، وهو الشبع كقوله : { فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم } ( المائدة : 3 ) { ولا عاد } عليه {[10561]} .

وقال بعضهم : { غير باغ } ، يستحله في دينه ، { ولا عاد } ، ولا معتد في أكله . وقال بعضهم : { غير باغ } على المسلمين ، مفارق لجماعتهم ، مشاق لهم . { ولا عاد } عليهم أنفسهم {[10562]} . وقد ذكرنا هذا في ما تقدم وأقاويلهم .

وأما تأويله عندنا : { غير باغ } على المسلمين سوى دفع الإهلاك عن نفسه . { ولا عاد } ، متعد ومتجاوز اضطراره . ولا يحتمل ما قاله بعض الناس : { غير باغ } على الناس ولا معتد عليهم لوجهين :

أحدهما : أنه لا يحتمل البغي على الناس في حال الاضطرار ؛ لأنه لا يقدر عليه ، والحال ما ذكر .

والثاني : أنه ، وإن كان باغيا على ما ذكروا ( لو ) {[10563]} لم يبح له التناول من الميتة ، يكون باغيا على نفسه ؛ لأنه إن لم يتناول هلكت نفسه ، فيصير باغيا على نفسه . فدل أنه على ما ذكرنا .


[10561]:في الأصل وم: إليه.
[10562]:في الأصل وم: يستفهم.
[10563]:في الأصل وم: يستفهم.