التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{ءَاخِذِينَ مَآ ءَاتَىٰهُمۡ رَبُّهُمۡۚ إِنَّهُمۡ كَانُواْ قَبۡلَ ذَٰلِكَ مُحۡسِنِينَ} (16)

{ آخِذِينَ مَآ آتَاهُمْ رَبُّهُمْ } أى : هم منعمون فى الجنات وما اشتملت عليه من عيون جارية ، حالة كونهم آخذين وقابلين لما أعطاهم ربهم من فضله وإحسانه .

وقوله : { إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ } بمثابة التعليل لما قبله . أى : هم فى هذا الخير العميم من ربهم لأنهم ، كانوا قبل ذلك - أى : فى الدنيا - محسنين لأعمالهم ، ومؤدين لكل ما أمرهم به - سبحانه - بإتقان وإخلاص .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{ءَاخِذِينَ مَآ ءَاتَىٰهُمۡ رَبُّهُمۡۚ إِنَّهُمۡ كَانُواْ قَبۡلَ ذَٰلِكَ مُحۡسِنِينَ} (16)

وقوله : آخِذِينَ ما آتاهُمْ رَبّهُمْ يقول تعالى ذكره : عاملين ما أمرهم به ربهم مؤدّين فرائضه . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن أبي عمر ، عن مسلم البطين ، عن ابن عباس ، في قوله : آخِذِينَ ما آتاهُمْ رَبّهُمْ قال : الفرائض .

وقوله : إنّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلكَ مُحْسِنِينَ يقول : إنهم كانوا قبل أن يفرض عليهم الفرائض محسنين ، يقول : كانوا لله قبل ذلك مطيعين . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن أبي عمر ، عن مسلم البطين ، عن ابن عباس إنّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلكَ مُحْسِنِينَ قال : قبل الفرائض محسنين يعملون .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{ءَاخِذِينَ مَآ ءَاتَىٰهُمۡ رَبُّهُمۡۚ إِنَّهُمۡ كَانُواْ قَبۡلَ ذَٰلِكَ مُحۡسِنِينَ} (16)

{ آخذين ما آتاهم ربهم } قابلين لما أعطاهم راضين به ، ومعناه أن كل ما آتاهم حسن مرضي متلقى بالقبول . { إنهم كانوا قبل ذلك محسنين } قد أحسنوا أعمالهم وهو تعليل لاستحقاقهم ذلك .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{ءَاخِذِينَ مَآ ءَاتَىٰهُمۡ رَبُّهُمۡۚ إِنَّهُمۡ كَانُواْ قَبۡلَ ذَٰلِكَ مُحۡسِنِينَ} (16)

معنى { آخذين ما آتاهم ربهم } : أنهم قابلون ما أعطاهم ، أي راضون به فالأخذ مستعمل في صريحه وكنايته كناية رمزية عن كون ما يؤتَوْنه أكمل في جنسه لأن مدارك الجماعات تختلف في الاستجادة حتى تبلغ نهاية الجودة فيستوي الناس في استجادته ، وهي كناية تلويحية . وأيضاً فالأخذ مستعمل في حقيقته ومجازه لأن ما يؤتيهم الله بعضهم مما يُتناول باليد كالفواكه والشراب والرياحين ، وبعضه لا يتناول باليد كالمناظِر الجميلة والأصوات الرقيقة والكرامة والرضوان وذلك أكثر من الأول .

فإطلاق الأخذ على ذلك استعارة بتشبيه المعقول بالمحسوس كقوله تعالى : { خُذوا ما آتيناكم بقوة } في سورة البقرة ( 63 ) ، وقوله : { وأمرْ قَومَك يأخذوا بأحسنها } في سورة الأعراف ( 145 ) .

فاجتمع في لفظ { آخذين } كنايتان ومجاز . روى أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم « أن الله تعالى يقول : يا أهل الجنة . فيقولون : لبيك ربنا وسعديك والخيرُ في يديك . فيقول : هل رضيتم ؟ فيقولون : وما لنا لا نرضى يا ربنا وقد أعطيتنا ما لم تعط أحداً من خلقك فيقول : ألا أعطيكم أفضلَ من ذلك فيقولون : وأي شيء أفضل من ذلك ؟ فيقول : أحُلّ عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً » . وفي إيثار التعبير عن الجلالة بوصف ( ربّ ) مضاففٍ إلى ضمير المتقين معنى من اختصاصهم بالكرامة والإيماء إلى أن سبب ما آتاهم هو إيمانهم بربوبيته المختصة بهم وهي المطابقة لصفات الله تعالى في نفس الأمر .

وجملة { إنهم كانوا قبل ذلك محسنين } تعليل لجملة { إن المتقين في جنات وعيون } ، أي كان ذلك جزاء لهم عن إحسانهم كما قيل للمشركين { ذوقوا فتنتكم } [ الذاريات : 14 ] . والمحسنون : فاعلو الحسنات وهي الطاعات .

وفائدة الظرف في قوله : { قبلَ ذلك } أن يؤتى بالإشارة إلى ما ذكر من الجنات والعيون وما آتاهم ربهم مما لا عين رأتْ ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر فيحصل بسبب تلك الإشارة تعظيم شأن المشار إليه ، ثم يفاد بقوله { قبل ذلك } ، أي قبل التنعم به أنهم كانوا محسنين ، أي عاملين الحسنات كما فسره قوله : { كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون } الآية . فالمعنى : أنهم كانوا في الدنيا مطيعين لله تعالى واثقين بوعده ولم يروه .