التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{يَعۡلَمُونَ ظَٰهِرٗا مِّنَ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَهُمۡ عَنِ ٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ غَٰفِلُونَ} (7)

والضمير فى قوله - تعالى - : { يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ الحياة الدنيا } يعود للأكثر من الناس .

أى : هؤلاء الأكثرون من الناس ، من أسباب جهلهم بسنن الله - تعالى - فى خلقه ، أنهم لا يهتمون إلا بملاذ الحياة الدنيا ومتعها وشهواتها ، ووسائل المعيشة فيها .

{ وَهُمْ عَنِ الآخرة } وما فيها من حساب وثواب وعقاب { هُمْ غَافِلُونَ } لأنهم آثروا الدارة العاجلة ، على الدار الباقية ، فهم - كما قال - تعالى - : { ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ الأمل فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ } قال صاحب الكشاف ما ملخصه : وقوله : { يَعْلَمُونَ ظَاهِراً } بدل من قوله : { ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ } .

وفى هذا الإِبدال من النكتة أنه أبدله منه ، وجعله بحيث يقوم مقامه ، ويسد مسده . ليعلمك أنه لا فرق بين عدم العلم الذى هو الجهل ، وبين وجد العلم الذى لا يتجاوز الدنيا . . وفى تنكير قوله : { ظَاهِراً } إشارة إلى أنهم لا يعملون إلا ظاهرا واحدا من جملة ظواهر الحياة الدنيا .

فالآية الكريمة تنعى على هؤلاء الكافرين وأشباههم ، انهماكهم فى شئون الدنيا انهماكا تاما ، جعلهم غافلين عما ينتظرهم فى أخراهم من حساب وعقاب . ورحم الله القائل :

ومن البلية أن ترى لك صاحبا فى صور الرجل السميع المبصر

فطن بكل مصيبة فى ماله وإذا يصاب بدينه لم يشعر

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{يَعۡلَمُونَ ظَٰهِرٗا مِّنَ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَهُمۡ عَنِ ٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ غَٰفِلُونَ} (7)

القول في تأويل قوله تعالى : { يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مّنَ الْحَيَاةِ الدّنْيَا وَهُمْ عَنِ الاَخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ } .

يقول تعالى ذكره : يعلم هؤلاء المكذّبون بحقيقة خبر الله أن الروم ستغلب فارس ظاهرا من حياتهم الدنيا ، وتدبير معايشهم فيها ، وما يصلحهم ، وهم عن أمر آخرتهم ، وما لهم فيه النجاة من عقاب الله هنالك غافلون ، لا يفكرون فيه . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا أبو تُمَيْلة يحيى بن واضح الأنصاري ، قال : حدثنا الحسين بن واقد ، قال : حدثنا يزيد النحوي عن عكرمة ، عن ابن عباس ، في قوله يَعْلَمُونَ ظاهِرا مِنَ الحَياةِ الدّنْيا يعني معايشهم ، متى يحصدون ومتى يغرسون .

حدثني أحمد بن الوليد الرمليّ ، قال ثنا : عمرو بن عثمان بن عمر ، عن عاصم بن عليّ ، قال : حدثنا أبو تُمَيْلة ، قال : حدثنا ابن واقد ، عن يزيد النحويّ ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، في قوله يعْلَمونَ ظاهِرا من الحَياةِ الدّنْيا قال : متى يَزْرَعون ، متى يَغْرِسون .

حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، قال : ثني شرقي ، عن عكرمة ، في قوله يَعْلَمُونَ ظاهِرا مِنَ الحَياةِ الدّنْيا قال : هو السراج أو نحوه .

حدثنا أبو هريرة محمد بن فراس الضبعي ، قال : حدثنا أبو قُتَيبة ، قال : حدثنا شعبة ، عن شرقي ، عن عكرِمة ، في قوله يَعْلَمُونَ ظاهِرا مِنَ الحَياةِ الدّنْيا : قال السراجون .

حدثنا أحمد بن الوليد الرملي ، قال : حدثنا سليمان بن حرب ، قال : حدثنا شعبة ، عن شرقي ، عن عكرمة ، في قوله يَعْلَمُونَ ظاهِرا مِنَ الحَياةِ الدنْيا قال : الخرازون والسراجون .

حدثنا بشر بن آدم ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهديّ ، قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم يَعْلَمُونَ ظاهِرا منَ الحَياةِ الدّنْيا قال : معايشهم وما يصلحهم .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهديّ ، قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم مثله .

حدثني بشر بن آدم ، قال : حدثنا الضحاك بن مخلد ، عن سفيان ، عن أبيه ، عن عكرِمة ، وعن منصور عن إبراهيم يَعْلَمُونَ ظاهرا مِنَ الحَياةِ الدّنْيا قال : معايشَهم .

حدثني عليّ ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : ظاهِرا مِنَ الحَياةِ الدّنْيا يعني الكفار ، يعرفون عُمران الدنيا ، وهم في أمر الدين جهال .

حدثني ابن وكيع ، قال : ثني أبي ، عن سفيان ، عن أبيه ، عن عكرِمة يَعْلَمُونَ ظاهِرا مِنَ الحَياةِ الدّنْيا قال : معايشَهم ، وما يصلحهم .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن منصور ، عن إبرهيم ، مثله .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة ، قوله يَعْلَمُونَ ظاهِرا مِنَ الحَياةِ الدّنْيا من حِرْفتها وتصرّفها وبغيتها وَهُمْ عَنِ الاَخِرَةِ هُمْ غافِلونَ .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن رجل ، عن الحسن ، قال : يعلمون متى زَرْعُهم ، ومتى حَصادهم .

قال : ثنا حفص بن راشد الهلاليّ ، عن شعبة ، عن شَرْقيّ ، عن عكرِمة يَعْلَمُونَ ظاهِرا مِنَ الحَياةِ الدّنْيا قال : السرّاج ونحوه .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن أبي جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية ، قال : صرفها في معيشتها .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله يَعْلَمُونَ ظاهِرا منَ الحَياةِ الدّنْيا ، وَهُمْ عَنِ الاَخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ .

وقال آخرون في ذلك ما :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يعقوب القُمّي ، عن جعفر ، عن سعيد ، في قوله يَعْلَمُونَ ظاهِرا مِنَ الحَياةِ الدّنْيا قال : تسترق الشياطين السمع ، فيسمعون الكلمة التي قد نزلت ، ينبغي لها أن تكون في الأرض ، قال : ويُرْمَوْن بالشّهب ، فلا ينجو أن يحترق ، أو يصيبه شرر منه قال : فيسقط فلا يعود أبدا قال : ويرمى بذلك الذي سمع إلى أوليائه من الإنس ، قال : فيحملون عليه ألف كذبة ، قال : فما رأيت الناس يقولون : يكون كذا وكذا ، قال : فيجيء الصحيح منه كما يقولون ، الذي سمعوه من السماء ، ويعقبه من الكذب الذي يخوضون فيه .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{يَعۡلَمُونَ ظَٰهِرٗا مِّنَ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَهُمۡ عَنِ ٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ غَٰفِلُونَ} (7)

{ يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا } ما يشاهدونه منها والتمتع بزخارفها . { وهم عن الآخرة } التي هي غايتها والمقصود منها . { هم غافلون } لا تخطر ببالهم ، و { هم } الثانية تكرير للأولى أو مبتدأ و { غافلون } خبره والجملة خبر الأولى ، وهو على الوجهين مناد على تمكين غفلتهم عن الآخرة المحققة لمقتضى الجملة المتقدمة المبدلة من قوله : { لا يعلمون } تقريرا لجهالتهم وتشبيها لهم بالحيوانات المقصور إدراكها من الدنيا ببعضها ظاهرها ، فإن من العلم بظاهرها معرفة حقائقها وصفاتها وخصائصها وأفعالها وأسبابها وكيفية صدورها منها وكيفية التصرف فيها ولذلك نكر ظاهرا ، وأما باطنها فإنها مجاز إلى الآخرة ووصلة إلى نيلها وأنموذج لأحوالها وإشعارا بأنه لا فرق بين عدم العلم والعلم الذي يختص بظاهر الدنيا .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{يَعۡلَمُونَ ظَٰهِرٗا مِّنَ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَهُمۡ عَنِ ٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ غَٰفِلُونَ} (7)

وصف تعالى الكفرة الذين لا يعلمون أمر الله وصدق وعده بأنهم إنما { يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا } ، واخلتف الناس في معنى { ظاهراً } فقالت فرقة معناه بيناً أي ما أدته إليهم حواسهم فكأن علومهم إنما هي علوم البهائم{[9280]} ، وقال ابن عباس والحسن والجمهور : معناه ما فيه الظهور والعلو في الدنيا من إتقان الصناعات والمباني ومظان كسب الأموال والفلاحات ونحو هذا ، وقالت فرقة : معناه ذاهباً زائلاً أي يعلمون أمور الدنيا التي لا بقاء لها ولا عاقبة ومثل هذه اللفظة قول الهذلي :

وعيرها الواشون أني أحبها . . . وتلك شكاة ظاهر عنك عارها{[9281]}

وقال سعيد بن جبير : إن قوله { ظاهراً من الحياة الدنيا } إشارة إلى ما يعلم من قبل الكهنة مما يسترقه الشياطين ، وقال الروماني : كل ما يعلم بأوائل العقول فهو الظاهر وما يعلم بدليل العقل فهو باطن .

قال القاضي أبو محمد : وفيه تقع الغفلة وتقصير الجهال ، ثم وصفهم ب «الغفلة » والإعراض عن أمر الآخرة وكرر الضمير تأكيداً ، وغفلة الكافر هي على الكمال والمؤمن المنهمك في أمور الدنيا التي هي أكبر همه يأخذ من هذه الآية بحظ ، نوّر الله قلوبنا بهداه ، ثم وقفهم على جهة التوبيخ على أنهم قد فكروا فلم تنفعهم الفكرة والنظر إذ لم يكن على سداد ، وقوله تعالى : { في أنفسهم } يحتمل معنيين : أحدهما أن تكون الفكرة في ذواتهم وحواسهم وخلقتهم ليستدلوا بذلك على الخالق المخترع .


[9280]:يعني أنها العلوم التي لا تهتم إلا بما تهتم به البهائم من الأكل والشرب والتناسل.
[9281]:قال أبو ذؤيب الهذلي هذا البيت من قصيدة رثى بها نشيبة بن محرث أحد بني حطيط، ومطلعها: هل الدهر إلا ليلة أو نهارها وإلا طلوع الشمس ثم غيارها والواشون: جمع واش، وهو الذي ينم بالإنسان ويسعى، وأصله من الوشي وهو التنميق والتحسين والكذب في الكلام ونشره بين الناس. وقوله: "وتلك وشاة" أي: ذلك التعبير، "ظاهر عنك عارها": أي: زائل عنك وذاهب لا يعلق بك، وهو الشاهد هنا، أي: أن تعييرهم لك لا يلزق بك، بل يبتعد عنك وينبو.