التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَضَرَبۡنَا عَلَىٰٓ ءَاذَانِهِمۡ فِي ٱلۡكَهۡفِ سِنِينَ عَدَدٗا} (11)

ثم بين - سبحانه - ما حدث لهؤلاء الفتية بعد أن لجأوا إلى الكهف ، وبعد أن دعوا الله بهذا الدعاء الشامل لكل خير . فقال : { فَضَرَبْنَا على آذَانِهِمْ فِي الكهف سِنِينَ عَدَداً } .

وأصل الضرب فى كلام العرب يرجع إلى معنى التقاء ظاهر جسم ، بظاهر جسم آخر بشدة .

يقال : ضرب فلان بيده الأرض إذا ألصقها بها بشدة ، وتفرعت عن هذا المعنى معان أخرى ترجع إلى شدة اللصوق .

والمراد بالضرب هنا النوم الطويل الذى غشاهم الله - تعالى - به فصاروا لا يحسون شيئا مما حولهم ، ومفعول ضربنا محذوف .

والمعنى : بعد أن استقر هؤلاء الفتية فى الكهف ، وتضرعوا إلينا بهذا الدعاء العظيم ، ضربنا على آذانهم وهم فى الكهف حجابا ثقيلا مانعا من السماع ، فصاروا لا يسمعون شيئا يوقظهم ، واستمروا فى نومهم العميق هذا { سنين } ذات عدد كثير ، بينها - سبحانه - بعد ذلك فى قوله : { وَلَبِثُواْ فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وازدادوا تِسْعاً } .

وخص - سبحانه - الآذان بالضرب ، مع أن مشاعرهم كلها كانت محجوبة عن اليقظة ، لأن الآذان هى الطريق الأول للتيقظ . ولأنه لا يثقل النوم إلا عندما تتعطل وظيفة السمع .

" وقد ورد أن النبى صلى الله عليه وسلم عندما علم أن رجلا لا يستيقظ مبكرا أن قال فى شأنه : " ذلك رجل قد بال الشيطان فى أذنه " " أى : فمنعها من التبكير واليقظة قبل طلوع الشمس .

والتعبير بالضرب - كما سبق أن أشرنا - للدلالة على قوة المباشرة ، وشدة اللصوق واللزوم ، ومنه قوله تعالى - { وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذلة والمسكنة } أى : التصقتا بهم التصاقا لا فكاك لهم منه ، ولا مهرب لهم عنه .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَضَرَبۡنَا عَلَىٰٓ ءَاذَانِهِمۡ فِي ٱلۡكَهۡفِ سِنِينَ عَدَدٗا} (11)

القول في تأويل قوله تعالى : { فَضَرَبْنَا عَلَىَ آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً * ثُمّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيّ الحِزْبَيْنِ أَحْصَىَ لِمَا لَبِثُواْ أَمَداً } .

يعني جلّ ثناؤه بقوله : فَضَرَبْنا على آذَانِهِمْ فِي الكَهْفِ : فضربنا على آذانهم بالنوم في الكهف : أي ألقينا عليهم النوم ، كما يقول القائل لاَخر : ضربك الله بالفالِج ، بمعنى ابتلاه الله به ، وأرسله عليه . وقوله : سِنِينَ عَدَدا يعني سنين معدودة ، ونصب العدد بقوله فَضَرَبْنا .