التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ ٱلۡفَٰحِشَةُ فِي ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِۚ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ وَأَنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ} (19)

ثم يواصل القرآن الكريم توجيهاته الحكيمة للمؤمنين ، فيهدد الذين يحبون أن تشيع الفاحشة فى الذين آمنوا بالعذاب الأليم ، وينهى المؤمنين عن اتباع خطوات الشيطان ، قال تعالى : { إِنَّ الذين يُحِبُّونَ . . . } .

قال الإمام الرازى : " اعلم أنه - سبحانه - بعد أن بين ما على أهل الإفك ، وما على من سمع منهم ، وما ينبغى أن يتمسك به المؤمنون من آداب ، أتبعه بقوله : { إِنَّ الذين يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الفاحشة فِي الذين آمَنُواْ . . . } ليعلم أن من أحب ذلك فقد شارك فى هذا الذم ، كما شارك فيه من فعله ومن لم ينكره ، وليعلم أهل الإفك كما أن عليهم العقوبة فيما أظهروه ، فكذلك يستحقون العقوبة بما أسروه ، من محبة إشاعة الفاحشة فى المؤمنين .

ومعنى " تشيع " تنتشر وتكثر ، ومنه قولهم : شاع الحديث . إذا ظهر بين الناس .

والفاحشة : هى الصفة البالغة أقصى دركات القبح ، كالرمى بالزنا وما يشبه ذلك .

وهى صفة لموصوف محذوف . أى : الخصلة الفاحشة ، والمقصود بمحبة شيوعها : محبة شيوع خبرها بين عامة الناس .

والمعنى : إن الذين يحبون أن تنتشر قالة السوء بين صفوف المؤمنين ، وفى شأنهم ، لكى يلحقوا الأذى بهم ، هؤلاء الذين يحبون ذلك " لهم " بسبب نواياهم السيئة " عذاب أليم فى الدنيا " كإقامة الحد عليهم ، وازدراء الأخيار لهم ، ولهم - أيضا - عذاب أليم " فى الآخرة " وهو أشد وأبقى من عذاب الدنيا .

" والله " تعالى وحده " يعلم " ما ظهر وما خفى من الأمور والأحوال " وأنتم " أيها الناس - " لا تعلمون " إلا ما كان ظاهرا منها ، فعاملوا الناس على حسب ظواهرهم ، واتركوا بواطنهم لخالقهم ، فهو - سبحانه - الذى يتولى محاسبتهم عليها .

فالآية الكريمة يؤخذ منها : أن العزم على ارتكاب القبيح ، منكر يعاقب عليه صاحبه ، وأن محبة الفجور وشيوع الفواحش فى صفوف المؤمنين ، ذنب عظيم يؤدى إلى العذاب الأليم فى الدنيا والآخرة ، لأن الله - تعالى - علق الوعيد الشديد فى الدارين على محبة انتشار الفاحشة فى الذين آمنوا .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ ٱلۡفَٰحِشَةُ فِي ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِۚ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ وَأَنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ} (19)

القول في تأويل قوله تعالى : { إِنّ الّذِينَ يُحِبّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الّذِينَ آمَنُواْ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدّنْيَا وَالاَخِرَةِ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } .

يقول تعالى ذكره : إن الذين يحبون أن يذيع الزنا في الذين صدّقوا بالله ورسوله ويظهر ذلك فيهم ، لهم عَذَابٌ أليمٌ يقول : لهم عذاب وجيع في الدنيا ، بالحدّ الذي جعله الله حدّا لرامي المحصَناتِ والمحصَنين إذا رموهم بذلك ، وفي الاَخرة عذاب جهنم إن مات مُصِرّا على ذلك غير تائب . كما :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد ، قوله : يُحِبّونَ أنْ تَشِيعَ الفاحِشَةُ قال : تظهر في شأن عائشة .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : إنّ الّذِينَ يُحِبّونَ أنْ تَشِيعَ الفاحِشَةُ فِي الّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ ألِيمٌ قال : الخبيث عبد الله بن أبيّ ابن سَلول ، المنافق ، الذي أشاع على عائشة ما أشاع عليها من الفرية ، لهم عَذَابٌ أليمٌ .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : أنْ تَشِيعَ الفاحِشَةُ قال : تظهر يتحدّث عن شأن عائشة .

وقوله : وَاللّهُ يَعْلَمُ وأنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ يقول تعالى ذكره : والله يعلم كذبَ الذين جاءوا بالإفك من صدقهم ، وأنتم أيها الناس لا تعلمون ذلك لأنكم لا تعلمون الغيب ، وإنما يعلم ذلك علاّم الغيوب . يقول : فلا تَروُوا ما لا علم لكم به من الإفك على أهل الإيمان بالله ، ولا سيما على حلائل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتهلكوا .