التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَءَايَةٞ لَّهُمۡ أَنَّا حَمَلۡنَا ذُرِّيَّتَهُمۡ فِي ٱلۡفُلۡكِ ٱلۡمَشۡحُونِ} (41)

ثم ذكر - سبحانه - نوعا آخر من الغم التى امتن بها على عبادهن فقال : { وَآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الفلك المشحون } .

وللمفسرين فى تفسير هذه الآية أقوال منها : أن الضمير فى " لهم " يعود إلى أهل مكة ، والمراد بذريتهم : أولادهم صغارا وكبارا ، والمراد بالفلك المشحون : جنس السفن .

فيكون المعنى : ومن العلامات الدالة على وحدانيتنا وقدرتنا ، أننا حملنا - بفضلنا ورحمتنا - أولادهم صغارا وكبارا فى السفن المملوءة بما ينفعهم دون أن يصيبهم أذى ، وسخرنا لهم هذه السفن لينتقلوا فيها من مكان إلى آخر .

ويرى بعضهم أن الضمير فى " لهم " يعود إلى الناس عامة ، والمراد بذريتهم آباؤهم الأقدمون ، والمراد بذريتهم آباؤهم الأقدمون ، والمراد بالفلك المشحون : سفينة نوح - عليه السلام - التى أنجاه الله - تعالى - فيها بمن معه من المؤمنين ، الذين لم يبق على وجه الأرض من ذرية آدم غيرهم .

فيكون المعنى : وعلامة دليل واضح للناس جميعا على قدرتنا ، أننا حملنا - بفضلنا ورحمتنا - آباءهم الأقدمين الذين آمنوا بنوح - عليه السلام - فى السفينة التى أمرناه بصنعها ، والتى كانت مليئة ومشحونة ، بما ينتفعون به فى حياتهم .

قال الجمل : وإطلاق الذرية على الأصول صحيح ، فإن لفظ الذرية مشترك بين الضدين ، الأصول والفروع ؛ لأن الذرية من الذرء بمعنى الخلق .

والفروع مخلوقون من الأصول ، والأصول خلقت منها الفروع . فاسم الذرية يعق على الآباء كما يقع على الأولاد .

وهذا الرأى الثانى قد اختاره الإِمام ابن كثير ولم يذكر سواه ، فقد قال رحمه الله : يقول - تعالى - : ودلالة لهم - أيضا - على قدرته - تعالى - تسخيره البحر ليحمل السفن ، فمن ذلك - بل أوله - سفينة نوح التى أنجاه الله فيها بمن معه من المؤمنين ، ولهذا قال : { وَآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ } أى : آباءهم .

{ فِي الفلك المشحون } أى : فى السفينة المملوءة بالأمتعة والحيوانات ، التى أمره الله أن يحمل فيها من كل زوجين اثنين .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَءَايَةٞ لَّهُمۡ أَنَّا حَمَلۡنَا ذُرِّيَّتَهُمۡ فِي ٱلۡفُلۡكِ ٱلۡمَشۡحُونِ} (41)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَآيَةٌ لّهُمْ أَنّا حَمَلْنَا ذُرّيّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ * وَخَلَقْنَا لَهُمْ مّن مّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ * وَإِن نّشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلاَ صَرِيخَ لَهُمْ وَلاَ هُمْ يُنقَذُونَ * إِلاّ رَحْمَةً مّنّا وَمَتَاعاً إِلَىَ حِينٍ } .

يقول تعالى ذكره : ودليل لهم أيضا ، وعلامة على قُدرتنا على كلّ ما نشاء ، حملنا ذرّيتهم يعني من نجا من ولد آدم في سفينة نوح ، وإياها عنى جلّ ثناؤه بالفُلك المشحون والفلك : هي السفينة ، والمشحون : المملوء الموقر . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس قوله : أنّا حَمَلْنا ذُرّيّتَهُمْ فِي الفُلْكِ المَشْحُونِ يقول : الممتلىء .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : في الفُلْكِ المَشْحُونِ يعني المثقل .

حدثني سليمان بن عبد الجبار ، قال : حدثنا محمد بن الصلت ، قال : حدثنا أبو كدينة ، عن عطاء ، عن سعيد الفُلْكِ المَشْحُونِ قال : الموقَر .

حدثنا عمران بن موسى ، قال : حدثنا عبد الوارث ، قال : حدثنا يونس ، عن الحسن ، في قوله : المَشْحُونَ قال : المحمول .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : أنّا حَمَلْنا ذُرّيّتَهُمْ فِي الفُلْكِ المَشْحُونِ يعني : سفينة نوح عليه السلام .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَآيَةٌ لَهُمْ أنّا حَمْلنا ذُرّيّتَهُمْ فِي الفُلْكِ المَشْحُونِ المُوقَر ، يعني سفينة نوح .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : الفُلْكِ المَشْحُونِ قال : الفلك المشحون : المَرْكَب الذي كان فيه نوح ، والذرية التي كانت في ذلك المركب قال : والمشحون : الذي قد شُحن ، الذي قد جعل فيه ليركبه أهله ، جعلوا فيه ما يريدون ، فربما امتلأ ، وربما لم يمتلىء .

حدثنا الفضل بن الصباح ، قال : حدثنا محمد بن فضيل ، عن عطاء ، عن سعيد بن جُبَير ، عن ابن عباس قال : أتدرون ما الفُلك المشحون ؟ قلنا : لا ، قال : هو المُوقَر .

حدثنا عمرو بن عبد الحميد الاَمُلِي ، قال : حدثنا هارون ، عن جُوَيبر ، عن الضحاك ، في قوله : الفُلكِ المَشحُون قال المُوقَر .