ثم أمر القرآن الناس باتباع تعاليم الإسلام التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم فقال : { اتبعوا مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ
أى : اتبعوا أيها الناس ملة الإسلام وأحلوا حلاله ، وحرموا حرامه ، وامتثلوا أوامره ، واجتنبوا نواهيه ، لأن الذي أنزل عليكم هذه الشريعة هو ربكم الذي هو خالقكم ومربيكم ومدبر أموركم والعليم بما فيه مصلحتكم وحذار من أن تتركوا شريعة الإسلام التي تدعوكم إلى إفراد الله بالعبودية ، وتتخذوا معه شركاء يزينون لكم الأباطيل ، ويصرفونكم عن دينه القويم فالآية الكريمة كلام مستأنف خوطب به كافة المكلفين لحضهم على إفراد الله بالعبودية ، ونهيهم عن اتباع أحد من الخلق فيما يتعلق بالأمور الدينية التي وضحتها الشريعة الإسلامية .
وقوله - تعالى - : { قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ } معناه : تذكراً قليلا تتذكرون ، أو زمناً قليلا تتذكرون فهو منصوب على أنه نعت لمصدر محذوف أو لظرف زمان محذوف . وما مزيدة لتأكيد القلة .
القول في تأويل قوله تعالى : { اتّبِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مّن رّبّكُمْ وَلاَ تَتّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ قَلِيلاً مّا تَذَكّرُونَ } .
يقول جلّ ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل يا محمد لهؤلاء المشركين من قومك الذين يعبدون الأوثان والأصنام : اتبعوا أيها الناس ما جاءكم من عند ربكم بالبينات والهدى ، واعملوا بما أمركم به ربكم ، ولاَ تَتّبِعُوا شيئا مِنْ دُونهِ يعني : شيئا غير ما أَنزل إليكم ربكم ، يقول : لا تتبعوا أمر أوليائكم الذين يأمرونكم بالشرك بالله وعبادة الأوثان ، فإنهم يضلونكم ولا يهدونكم .
فإن قال قائل : وكيف قلت : معنى الكلام قل اتبعوا ، وليس في الكلام موجودا ذكر القول ؟ قيل : إنه وإن لم يكن مذكورا صريحا ، فإن في الكلام دلالة عليه ، وذلك قوله : فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ ، ففي قوله : «لِتُنْذِرَ بِهِ » الأمر بالإنذار ، وفي الأمر بالإنذار الأمر بالقول لأن الإنذار قول . فكان معنى الكلام : أنذر القوم وقل لهم : اتبعوا ما أُنزل إليكم ، كان غير مدفوع . وقد كان بعض أهل العربية يقول قوله : اتّبِعُوا خطاب النبيّ صلى الله عليه وسلم ، ومعناه : كتاب أُنزل إليك ، فلا يكن في صدرك حرج منه ، اتبع ما أنزل إليك من ربك . ويرى أن ذلك نظير قول الله : يا أيّها النّبِيّ إذَا طَلّقْتُمُ النّساءَ فَطَلّقُوهُنّ لِعِدّتِهِنّ إذ ابتدأ خطاب النبيّ صلى الله عليه وسلم ، ثم جعل الفعل للجميع ، إذ كان أمْرُ الله نبيه بأمر أمرا منه لجميع أمته ، كما يقال للرجل يفرد بالخطاب والمراد به هو وجماعة أتباعه أو عشيرته وقبيلته : أما تتقون الله ؟ أما تستحيون من الله ؟ ونحو ذلك من الكلام . وذلك وإن كان وجها غير مدفوع ، فالقول الذي اخترناه أولى بمعنى الكلام لدلالة الظاهر الذي وصفنا عليه .
وقوله : قَليلاً ما تَذَكّرُونَ يقول : قليلاً ما تتعظون وتعتبرون ، فتراجعون الحق .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.