التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي  
{إِلَّا ٱلَّذِينَ تَابُواْ وَأَصۡلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَـٰٓئِكَ أَتُوبُ عَلَيۡهِمۡ وَأَنَا ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ} (160)

وبعد هذا الوعيد الشديد لأولئك الكاتمين لما أمر الله بإظهاره ، أورد القرآن في أعقاب ذلك آية تفتح لهم نافذة الأمل ، وتبين لهم أنهم إذا تابوا وأنابوا قبل الله توبتهم ورحمهم ، فقال - تعالى - : { إِلاَّ الذين تَابُواْ } أي : رجعوا عن الكتمان وعن سائر ما يجب أن يتاب عنه ، وندموا على ما صدر عنهم { وَأَصْلَحُواْ } ما أفسده بالكتمان بكل وسيلة ممكنة { وَبَيَّنُواْ } للناس حقيقة ما كتموه { فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ } أي : أقبل توبتهم ، وأفيض عليهم من رحمتي ومغفرتي ، { وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ } أي : المبالغ في قبول التوبة ونشر الرحمة .

فالآية الكريمة قد فتحت للكاتمين لما يجب إظهاره باب التوبة وأمرتهم بولوجه ، وأفهمتهم أنهم إذا فعلوا ما ينبغي وتركوا ما لا ينبغي وأخلصوا لله نياتهم ، فإنه - سبحانه - يقبل توبتهم ، ويغسل حويتهم ، أما إذا استمروا في ضلالهم وكفرهم ، ومضوا في هذا الطريق المظلم حتى النهاية بدون أن يحدثوا توبة ، فقد بين القرآن مصيرهم بعد ذلك فقال : { إِن الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ }