إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{إِلَّا ٱلَّذِينَ تَابُواْ وَأَصۡلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَـٰٓئِكَ أَتُوبُ عَلَيۡهِمۡ وَأَنَا ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ} (160)

{ إِلاَّ الذين تَابُواْ } أي عن الكِتمان { وَأَصْلَحُواْ } أي ما أفسدوا بأن أزالوا الكلامَ وكتبوا مكانه ما كانوا أزالوه عند التحريف { وَبَيَّنُواْ } للناس معانيَه فإنه غير الإصلاح المذكور ، أو بينوا لهم ما وقع منهم أولاً وآخراً ، فإنه أدخلُ في إرشاد الناس إلى الحق ، وصرفُهم عن طريق الضلال الذي كانوا أوقعوهم فيه أو بيّنوا توبتَهم ليمحُوا به سِمةَ ما كانوا فيه ويقتديَ بهم أضرابُهم ، وحيث كانت هذه التوبة المقرونةُ بالإصلاح والتبيين مستلزمةً للتوبة عن الكفر مبينةً عليها لم يصرَّحْ بالإيمان . وقولُه تعالى : { فَأُوْلَئِكَ } إشارةٌ إلى الموصولِ باعتبار اتصافِه بما في حيز الصلةِ للإشعار بعلّيته للحكم ، والفاءُ لتأكيد ذلك { أَتُوبُ عَلَيْهِمْ } أي بالقَبول وإفاضةِ المغفرة والرحمة ، وقوله تعالى : { وَأَنَا التواب الرحيم } أي المبالغُ في قبول التوْب ونشرِ الرحمةِ ، اعتراضٌ تذييليٌّ محققٌ لمضمون ما قبله ، والالتفاتُ إلى التكلم للافتنان في النظمِ الكريم مع ما فيه من التلويحِ والرمزِ إلى ما مر من اختلاف المبدأ في فِعليه تعالى السابقِ واللاحِقِ .