نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{إِلَّا ٱلَّذِينَ تَابُواْ وَأَصۡلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَـٰٓئِكَ أَتُوبُ عَلَيۡهِمۡ وَأَنَا ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ} (160)

ولما تم أمر القبلة وما استتبعه وختم بشريعة الحج المكتوبة على الناس عامة الأمر لهم بها باني البيت إبراهيم عليه الصلاة والسلام عن أمر الله سبحانه وتعالى بقوله إذ قام{[6009]} المقام : يا أيها الناس ! كتب عليكم الحج فحجوا ، فأجابه من علم الله سبحانه وتعالى أنه يحج ثم حجت{[6010]} الأنبياء من بني إسرائيل بن إبراهيم عليهما السلام ثم أخفاها أهل الكتاب فيما أخفوه من كتابهم حسداً للعرب وختمت آية الحج بعليم{[6011]} رجع إلى أمر الكاتمين الذين يكتمون الحق وهم يعلمون ، وأعظم ما كتموه أمر هذا الكتاب الذي هو الهدى المفتتح به السورة ، ولما بين جزاءهم استثنى منهم التائبين مبيناً لشرائط التوبة الثلاثة فقال { إلا{[6012]} الذين تابوا } بالندم على ارتكاب الذنب { وأصلحوا } بالعزم على عدم العود { وبينوا } ما كانوا كتموه فظهرت توبتهم بالإقلاع .

{[6013]}ولما كان الإنسان يحب ما كان بسبب منه رغبهم{[6014]} في المتاب بعد توبتهم سبباً لتوبته ورحمته وإن كان ذلك كله مَنّاً منه في نفس الأمر فقال معبراً بالفاء : { فأولئك } العالو الرتبة{[6015]} { أتوب عليهم } {[6016]}أي أقبل توبتهم{[6017]} فأحفظهم بما يشعر به مثال الفعل الدائم فيما وفقتهم لابتدائه ، وفي{[6018]} الربط بالفاء إشارة إلى إسراع{[6019]} استنقاذ توبة الله عليهم من نار الخوف والندم رحمة منه لهم برفعهم إلى موطن الإنس ، لأن نار الخوف في الدنيا للمقترف رحمة من عذاب النار تفدية من نار السطوة في الآخرة ، من لم يحترق بنار المجاهدة أحرقته نار الخوف ، فمن لم يحترق بنار الخوف أحرقته نار السطوة - أفاده الحرالي{[6020]} . ولما كان من شأن الإنسان معاودة الذنوب لصفة النسيان ختم الآية بما دل على أن التقدير : فإني أحب التوابين فقال : { وأنا التواب } أي مرة بعد مرة لمن كر على الذنب{[6021]} ثم راجع التوبة كرة إثر كرة { الرحيم * } لمن فعل ما يرضيني .


[6009]:زيد في ظ ومد: على
[6010]:في م و ظ: حجه، وفي مد: حج
[6011]:من ظ، وفي الأصل: و م ومد: يعلم.
[6012]:هذا استثناء متصل، ومعنى {تابوا} عن الكفر إلى الإسلام، أو عن الكتمان إلى الإظهار –قاله أبو حيان في البحر المحيط 1/ 459
[6013]:العبارة من هنا إلى "بالفاء" ليست في ظ
[6014]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: رعيهم
[6015]:في الأصل: الزينة، والتصحيح من بقية الأصول
[6016]:ليست في ظ
[6017]:ليست في ظ
[6018]:ليس في ظ
[6019]:من م و مد و ظ، وفي الأصل: الإسراع
[6020]:قال أبو حيان الأندلسي: {فأولئك} إشارة إلى من جمع هذه الأوصاف من التوبة والإصلاح والتبيين {أتوب عليهم} أي أعطف عليهم، ومن تاب الله عليه لا تلحقه لعنة –البحر المحيط 1/ 460
[6021]:في مد: الذنوب