التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي  
{أَمۡ تَسۡـَٔلُهُمۡ خَرۡجٗا فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيۡرٞۖ وَهُوَ خَيۡرُ ٱلرَّـٰزِقِينَ} (72)

ثم انتقلت السورة الكريمة - للمرة الخامسة - إلى توبيخهم على كفرهم ، مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يسألهم أجراً على ما ينقذهم من ظلمات هذا الكفر إلى نور الإيمان . فقال - تعالى - { أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً . . . } أى : أجراً وجعلا وجزاء . . .

أى : أيكون السبب فى عدم إيمانهم بك - أيها الرسول الكريم - أنك تسألهم أجرا على دعوتك لهم إلى إخلاص العبادة لنا ؟

لا : ليس الأمر كما يتوهمون ، فإنك لم تسألهم أجراً على دعوتك إياهم إلى الدخول فى الإسلام .

والجملة الكريمة معطوفة على قوله - تعالى - قبل ذلك { أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ . . . } وما بينهما اعتراض وقوله - سبحانه - : { فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرازقين } تعليل لنفى سؤالهم إياهم الأجر على دعوتهم إلى الحق .

أى : أنت - أيها الرسول الكريم - ما طالتهم بأجر على دعوتك إياهم إلى الإيمان بالله - تعالى - وحده ، لأن ما أعطاك الله - تعالى - من خير وفضل أكبر وأعظم من عطاء هؤلاء الضعفاء الذين لا يستغنون أبداً عن عطائنا . والله - تعالى - هو خير الرازقين ، لأن رزقه دائم ورزق غيره مقطوع ، ولأنه هو المالك لجميع الأرزاق ، وغيره لا يملك معه شيئاً .

قال بعض العلماء : المراد بالخرج والخراج هنا : الأجر والجزاء والمعنى : أنك لا تسألهم على ما بلغتهم من الرسالة المتضمنة لخيرى الدنيا والآخرة أجرا وأصل الخرج والخراج : هو ما تخرجه إلى كل عامل فى مقابلة أجرة أو جعل .

وقرأ ابن عامر : { أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَرْجُ رَبِّكَ خَيْرٌ } - بإسكان الراء فيهما معاً وحذف الألف- .

وقرأ حمزة والكسائي : { أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرَاجاً فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ } بفتح الراء بعدها ألف فيهما معاً - .

وقرأ الباقون : { أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ } بإسكان الراء وحذف الألف فى الأول وفتح الراء وإثبات الألف فى الثانى .

والتحقيق : أن معنى اللفظين واحد ، وأنهما لغتان فصيحتان ، وقراءتان سبعيتان ، خلافاً لمن زعم أن بين معناها فرقاً زاعماً أن الخرج ما تبرعت به ، وأن الخراج ما لزمك أداؤه " .