التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي  
{قُل لَّن يَنفَعَكُمُ ٱلۡفِرَارُ إِن فَرَرۡتُم مِّنَ ٱلۡمَوۡتِ أَوِ ٱلۡقَتۡلِ وَإِذٗا لَّا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلٗا} (16)

ثم واصلت السورة الكريمة حديثها عن هؤلاء المنافقين ، فوبختهم على سوء فهمهم ، وعلى جبنهم وخورهم ، وعلى سلاطة ألسنتهم . . فقال - تعالى - : { قُل لَّن يَنفَعَكُمُ الفرار . . . . مَّا قاتلوا إِلاَّ قَلِيلاً } .

أى : قل - أيها الرسول الكريم - لهؤلاء المنافقين : { لَّن يَنفَعَكُمُ الفرار إِن فَرَرْتُمْ مِّنَ الموت أَوِ القتل } ، لأن كل إنسان لا بد له من نهاية تنتهى عندها حياته ، سواء أكانت تلك النهاية عن طريق القتل بالسيف ، أم عن طريق الموت على الفراش .

وما دام الأمر كذلك ، فعلى هؤلاء المنافقين أن يعلموا : أن الجبن لا يؤخر الحياة ، وأن الشجاعة لا تقدمها عن موعدها . وصدق الله إذ يقول : { وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ } وقوله : { إِن فَرَرْتُمْ . . . } جوابه محذوف لدلالة ما سبق عليه . أى : إن فررتم لن ينفعكم فراركم .

وقوله : { وَإِذاً لاَّ تُمَتَّعُونَ إِلاَّ قَلِيلاً } تذييل قصد به زجرهم عن الجبن الذى استولى عليهم .

أى : إن فراركم من الموت أو القتل ، إن نفعكم - على سبيل الفرض - لفترة من الوقت ، فلن ينفعكم طويلا ، لأنكم لن تتمتعوا بالحياة بعد هذا الفرار إلا وقتا قليلا ، ثم ينزل بكم قضاء الله - تعالى - الذى لا مرد لكم منه ، فما تفرون منه هو نازل بكم قطعا .