معاني القرآن للفراء - الفراء  
{قُل لَّن يَنفَعَكُمُ ٱلۡفِرَارُ إِن فَرَرۡتُم مِّنَ ٱلۡمَوۡتِ أَوِ ٱلۡقَتۡلِ وَإِذٗا لَّا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلٗا} (16)

وقوله : { وَإِذاً لاَّ تُمَتَّعُونَ 16 } مرفوعة ؛ لأنَّ فيها الواوَ وإذا كانت الواو كان في الواو فعل مضمر ، وكان معنى ( إذاً ) التأخير ، أي ولو فعلوا ذلكَ لا يلبثونَ خلافك إلا قليلاً إذاً . وهي في إحدى القِراءتْين ( وإذاً لا يَلْبَثوا ) بطرح النون يراد بها النصب . وذلك جائز ، لأنَّ الفعل متروك فصارت كأنها لأوَّل الكلام ، وإن كانت فيها الواو . والعرب تقول : إذاً أكسِرَ أنفك ، إذاً أضربَكَ ، إذاً أغُمَّكَ إذَا أجابوا بها متكلّما . فإذا قالوا : أَنا إِذاً أضرِبُكَ رفعوا ، وجَعَلوا الفعل أولى باسمه من إذاً ؛ كأنَّهُمْ قالوا : أضربك إذاً ؛ ألا ترى أنهم يقولونَ : أظنُّك قائما ، فيُعملونَ الظنَّ إذا بدءُوا به /147 ب وإذا وقع بين الاسم وخبره أبطلوه ، وإذا تأخّر بعد الاسم وخبره أبطلوه . وكذلك اليمين يكون لَها جَواب إذا بُدئ بها فيقال : والله إنك لعاقل ، فإذا وقعت بين الاسم وخبره قالوا : أنت والله عاقل . وكذلكَ إذا تأخّرَت لم يكن لها جَواب ؛ لأنَّ الابتداء بغيرها . وقد تنصِب العربُ بإذاً وهي بين الاسم وخبره في إنَّ وحدها ، فيقولون : إني إذاً أضربَك ، قالَ الشاعر :

لا تَترُكنِّي فيهُم شطيراً *** إني إذاً أهلِكَ أوْ أطيرَا

والرفع جائز . وإنما جاز في ( إنّ ) ولم يجز في المبتدأ بغير ( إنّ ) لأن الفعل لا يكون مقدَّما في إنَّ ، وقد يكون مقدّما لو أسْقطت .