نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{قُل لَّن يَنفَعَكُمُ ٱلۡفِرَارُ إِن فَرَرۡتُم مِّنَ ٱلۡمَوۡتِ أَوِ ٱلۡقَتۡلِ وَإِذٗا لَّا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلٗا} (16)

ولما أتم سبحانه ما أخبر به رسوله صلى الله عليه وسلم كما دل عليه التعبير بالنبي ، استأنف أمره بجوابهم جواباً لمن كأنه قال : ماذا يقال لهم ؟ وإجراءً للنصحية على لسانه{[55243]} لما هو مجبول عليه من الشفقة ، { قل } أي لهم ، وأكد لظنهم نفع الفرار : { لن ينفعكم } أي{[55244]} في تأخير آجالكم في وقت من الأوقات { الفرار } أي الذي ما كان استئذانكم إلا بسببه { إن فررتم من الموت } أي بغير عدو { أو القتل } لأن الأجل إن كان قد{[55245]} حضر ، لم يتأخر بالفرار وإلا لم يقصره الثبات كما كان علي رضي الله عنه يقول : إذا دهم الأمر ، {[55246]}وتوقد الجمر{[55247]} ، واشتد من الحرب الحر ، {[55248]}أيّ يومي{[55249]} من الموت أفر ؟ يوم لا يقدر{[55250]} أو يوم قدر ، وذلك أن أجل الله الذي أجله محيط بالإنسان لا يقدر أن يتعداه أصلاً { وإذا } أي وإذ فررتم .

ولما كانوا لا يقصدون بالعيش إلا التمتع ، بين ذلك بالبناء للمجهول فقال : { لا تمتعون } أي تمتعاً مبالغاً فيه كما تريدون بما بقي من أعماركم إن كان بقي منها شيء { إلا قليلاً * } بل يتمكن العدو منكم بأدباركم ، ومن أموالكم وأحسابكم ودياركم ، فيفسد مهما{[55251]} قدر عليه من ذلك فلا تقدرون على تداركه إلا بعد زمان طويل وتعب كبير ، بخلاف ما إذا ثبتم وفاء بالعهد وحفظاً للثناء فلاقيتم الأقران ، وقارعتم الفرسان ، اعتماداً على ربكم وطاعة لنبيكم ، فإن كان{[55252]} الأجل قد أتى لم ينقصكم ذلك شيئاً ، ومتم أعزة كراماً ، وإلا فزتم بالنصر ، وحزتم الأجر ، وعشتم بأتم نعمة إلى تمام العمر ، فالثبات أبقى للمهج ، وأحفظ للعيش البهج{[55253]} .


[55243]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: لسانهم.
[55244]:سقط من ظ.
[55245]:زيد من ظ ومد.
[55246]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[55247]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[55248]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: أتومن.
[55249]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: أتومن.
[55250]:من ظ ومد، وفي الأصل وم: لا قدر.
[55251]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: فيهما.
[55252]:زيد من ظ ومد.
[55253]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: البهيج.