التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي  
{عَلَّمَ ٱلۡإِنسَٰنَ مَا لَمۡ يَعۡلَمۡ} (5)

وجملة { عَلَّمَ الإنسان مَا لَمْ يَعْلَمْ } خبر عن قوله - تعالى - : { وَرَبُّكَ الأكرم } وما بينهما اعتراض ، ويصح أن تكون بدل اشتمال مما قبلها وهو قوله { عَلَّمَ بالقلم } أى : علم الإِنسان بالقلم وبدونه ما لم يكن يعلمه من الأمور على اختلافها ، والمراد بالإِنسان فى هذه الآيات جنسه .

والمتأمل فى هذه الآيات الكريمة ، يراها قد جمعت أصول الصفات الإِلهية ، كالوجود ، والوحدانية ، والقدرة والعلم ، والكرم .

قال الإِمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآيات : فأول شيء من القرآن هذه الآيات الكريمات المباركات ، وهو أول رحمة رحم الله بها العباد ، وأول نعمة أنعم الله بها عليهم ، وفيها التنبيه على ابتداء خلق الإِنسان من علقه ، وأن من كرمه - تعالى - أن علم الإِنسان ما لم يعلم ، فشرفه وكرمه بالعلم ، وهو القدر الذى امتاز به أبو البرية آدم على الملائكة . .

وقال المرحوم الشيخ محمد عبده : ثم إنه لا يوجد بيان أبرع ولا دليل أقطع على فضل القراءة والكتابة والعلم بجميع أنواعه ، من افتتاح الله كتابه وابتدائه الوحي ، بهذه الآيات الباهرات ، فإن لم يهتد المسلمون بهذا الهدى ، ولم ينبههم النظر فيه إلى النهوض ، وإلى تمزيق تلك الحجب التى حجبت عن أبصارهم نور العلم . . وإن لم يسترشدوا بفاتحة هذا الكتاب المبين ، ولم يستضيئوا بهذا الضياء الساطع . . فلا أرشدهم الله . .