التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي  
{وَهَٰذَا ٱلۡبَلَدِ ٱلۡأَمِينِ} (3)

اتفق المفسرون على أن المراد بطور سينين : الجبل الذى كلم الله - تعالى - عليه موسى - عليه السلام - وسينين ، وسيناء ، وسينا ، اسم للبقعة التى فيها هذا الجبل ، بإضافة " طور " إلى ما بعده ، من إضافة الموصوف إلى الصفة .

قال الإِمام الشوكانى : " وطور سينين " هو الجبل الذى كلم الله عليه موسى ، اسمه الطور . ومعنى سينين : المبارك الحسن . . وقال مجاهد : سينين كل جبل فيه شجر مثمر ، فهو سينين وسيناء . وقال الأخفش : طور : جبل . وسينين شجر ، واحدته سينه ، ولم ينصرف سينين كما لم ينصرف سيناء ، لأنه جعل اسما للبقعة .

وأقسم - سبحانه - به ، لأنه من البقاع المباركة ، وأعظم بركة حلت به ووقعت فيه ، تكليم الله - تعالى - ، لنبيه موسى - عليه السلام - .

كما اتفقوا - أيضا - على أن المراد بالبلد الأمين : مكة المكرمة ، وسمى بالأمين لأن من دخله كان آمنا ، وقد حرمها - تعالى - على جميع خلقه ، وحرم شجرها وحيوانها ، وفى الحديث الصحيح ، أن النبى صلى الله عليه وسلم قال بعد فتحتها : " إن الله حرم مكة يوم خلق السموات والأرض فهى حرام إلى أن تقوم الساعة ، لم تحل لأحد قبلي ، ولن تحل لأحد بعدي ، ولم تحل لي إلا ساعة من نهار ، فلا يُعْضَد - أي : يقطع - شجرها - ولا ينفر صيدها ، ولا تحل لقطتها إلا لمنشد .

إلا أن خلافهم فى المراد بقوله - تعالى - : { والتين والزيتون } ، وقد ذكر الإِمام القرطبى هذا الخلاف فقال ما ملخصه : قوله : { والتين والزيتون } : قال ابن عباس وغيره : هو تينكم الذى تأكلون ، وزيتونكم الذى تعصرون منه الزيت . قال - تعالى - : { وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَآءَ تَنبُتُ بالدهن وَصِبْغٍ لِّلآكِلِيِنَ } وهى شجرة الزيتون .

وقال أبو ذر : " أهدى للنبى صلى الله عليه وسلم سلة تين ، فقال : " كلوا " وأكل منها . ثم قال : " لو قلت إن فاكهة نزلت من الجنة ، لقلت هذه . . " " .

وعن معاذ : أنه استاك بقضيب زيتون ، وقال : سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول : " نعم السواك الزيتون من الشجرة المباركة " .

وقال الإِمام ابن جرير بعد أن ساق جملة من الأقوال من المقصود بالتين والزيتون : والصواب من القول فى ذلك عندنا قول من قال : التين : هو التين الذى يؤكل . والزيتون : هو الزيتون الذى يعصر منه الزيت ، لأن ذلك هو المعروف عند العرب ، ولا يعرف جبل يسمى تينا ، ولا جبل يقال له زيتون . إلا أن يقول قائل : المراد من الكلام القسم بمنابت التين ، ومنابت الزيتون ، فيكون ذلك مذهبا ، وإن لم يكن على صحة ذلك أنه كذلك ، دلالة فى ظاهر التنزيل .

وما ذهب إليه الإِمامان : ابن جرير والقرطبى ، من أن المراد بالتين والزيتون ، حقيقتهما ، هو الذى نميل إليه ، لأنه هو الظاهر من معنى اللفظ ، ولأنه ليس هناك من ضرورة تحمل على مخالفته ، ولله - تعالى - أن يقسم بما شاء من مخلوقاته ، فهو صاحب الخلق والأمر ، تبارك الله رب العالمين .