الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَوۡلَا نُزِّلَتۡ سُورَةٞۖ فَإِذَآ أُنزِلَتۡ سُورَةٞ مُّحۡكَمَةٞ وَذُكِرَ فِيهَا ٱلۡقِتَالُ رَأَيۡتَ ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٞ يَنظُرُونَ إِلَيۡكَ نَظَرَ ٱلۡمَغۡشِيِّ عَلَيۡهِ مِنَ ٱلۡمَوۡتِۖ فَأَوۡلَىٰ لَهُمۡ} (20)

وقوله عز وجل : { وَيَقُولُ الذين آمَنُواْ لَوْلاَ نُزِّلَتْ سُورَةٌ } الآية : هذا ابتداءُ وَصْفِ حالِ المؤمنينَ ؛ على جهة المَدْحِ لهم ، ووصفِ حالِ المنافقين ؛ على جهة الذَّمِّ ؛ وذلك أَنَّ المؤمنين كان حرصهم على الدين يبعثهم على تَمَنِّي ظهور الإسلامِ وتمنِّي قتال العدوِّ ، وكانوا يأنسونَ بالوحي ، ويستوحشون إذا أبطأ ، وكان المنافقون على العكس من ذلك .

وقوله : { مُّحْكَمَةٌ } معناه : لا يقعُ فيها نسخ ، وأَمَّا الإحكام الذي هو الإتقان ، فالقرآن كلُّه سواءٌ فيه ، والمرض الذي في قلوب المنافقين هو فَسَادُ مُعْتَقَدِهِمْ ، ونظر الخائف المولَّه قريبٌ من نظر المَغْشِيِّ عليه ، وَخَسَّسَهُمْ هذا الوصف والتشبيه .

وقوله تعالى : { فأولى لَهُمْ * طَاعَةٌ } ( أولى ) : وزنها أَفْعَلُ ، من وَلِيَكَ الشَّيْءُ يَلِيكَ ، والمشهورُ من استعمال أولى أَنَّك تقول : هذا أولى بك من هذا ، أي : أَحَقُّ ، وقد تَسْتَعْمِلُ العرب أولى لكِ فقطْ على جهة الاختصار ، لما معها من القول على جهة الزَّجْرِ والتَّوَعُّدِ ، فتقول : أولى لَكَ يا فُلاَنُ ، وهذه الآية من هذا الباب ؛ ومنه قوله تعالى : { أولى لَكَ فأولى } [ القيامة : 34 ] وقالت فرقة : { فأولى } رُفِعَ بالابتداء ، و{ طَاعَةٌ } خبره ، قال ( ع ) : وهذا هو المشهورُ منِ استعمال أولى ، وقيل غير هذا ، قال أبو حيَّان : قال صاحب «الصِّحَاحِ » : { أولى لَكَ } : تهديدٌ ووعيدٌ ، قال أبو حَيَّان : والأكثر على أَنَّه اسم مُشْتَقٌّ من الوَلي ، وهو القُرْبُ ، وقال الجُرْجَانِيُّ : هو مأخوذ من الوَيْلِ ، فَقُلِبَ ، فوزنه أَفْلَعْ ، انتهى .