الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَا وَٱسۡتَكۡبَرُواْ عَنۡهَآ أُوْلَـٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ} (36)

قوله عز وجل : { يا بني آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتي فَمَنِ اتقى وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ والذين كَذَّبُواْ بآياتنا واستكبروا عَنْهَا أُوْلَئِكَ أصحاب النار هُمْ فِيهَا خالدون }[ الأعراف :35 ] .

الخِطَابُ في هذه الآية لجميع العالم ، و( إن ) هي الشرطية دخلت عليها «ما » مؤكدة ، وكان هذا الخطاب لجميع الأُمم قَدِيمِها وحَدِيثِهَا ، هو متمكن لهم ، ومتحصِّل منه لحاضري نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أن هذا حُكْمُ اللَّه في العالم منذ أنشأه ، { ويَأْتِيَنَّكُمْ } مستقبل وُضِعَ موضع ماضٍ ليفهم أن الإتيان بَاقٍ وَقْتَ الخطاب ، لِتَقْوَى الإشارة بصِحَّةِ النبوءة إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، وهذا على مُرَاعَاةِ وَقْتِ نزول الآية .

وأسند الطَّبَري إلى أبي سَيَّارٍ السُّلمي قال : " إن اللَّه سبحانه خَاطَبَ آدم وذُريته ، فقال : { يا بني آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ . . . } [ الأعراف :35 ] قال : ثم نَظَر سبحانه إلى الرُّسُل ، فقال : { يا أيها الرسل كُلُواْ مِنَ الطيبات واعملوا صالحا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ وَإِنَّ هذه أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحدة وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فاتقون . . . } [ المؤمنون : 51 ، 52 ] " الحديث .

قال ( ع ) : ولا مَحَالَةَ أن هذه المُخَاطَبَة في الأزل .

وقيل : المراد بالرسل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، ذَكَرَهُ النقاش { ويَقُصُّونَ } أي : يسردون ، ويوردون ، و( الآيات ) لَفْظٌ جامع لآيات الكُتُب المنزلة ، وللعلامات التي تقترن بالأنبياء ، ونفي الخوف والحزن يعم جَمِيعَ أنواع مَكَارِهِ النَفس وأَنْكَادِهَا .