الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{۞يَٰبَنِيٓ ءَادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمۡ عِندَ كُلِّ مَسۡجِدٖ وَكُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ وَلَا تُسۡرِفُوٓاْۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُسۡرِفِينَ} (31)

قوله سبحانه : { يا بني آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ }[ الأعراف :31 ] .

هذا خطاب عَامٌ لجميع العالم كما تقدم ، وأمروا بهذه الأَشْيَاءِ بسبب عصيان حاضري ذلك الوقت من مُشْرِكِي العَرَبِ فيها ، والزينة الثياب الساترة ، قاله مجاهد وغيره . و{ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ } أي : عند كل مَوْضِعِ سُجُودٍ ، فهي إشارة إلى الصلوات ، وستر العورة فيها .

( ت ) : ومن المستحسن هنا ذكر شيء مما جاء في اللِّبَاسِ ، فمن أحسن الأحاديث في ذلك ، وأصحها ما رواه مالِكٌ في «الموطأ » عن أبي سَعيدٍ الخدري ، قال : سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول : ( إنَّ أُزْرَةَ المُؤْمِنِ إِلى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ ، لا جُنَاحَ عليه فيما بينه وبَيْنَ الكَعْبَيْنِ ، ما أَسْفَلَ من ذَلِكَ ، ففي النَّارِ ) قال ذلك ثلاث مرات : ( لاَ يَنْظُرُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ إِلَى مَنْ جَرَّ إزَارَهُ بَطَراً ) .

وحدث أبو عمر في «التمهيد » بسنده عن ابن عُمَرَ قال : فيما قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في الإزَارِ فهو في القَمِيصِ ، يعني ما تَحْتَ الكَعْبَيْنِ من القَمِيصِ في النار ، كما قال في الإزَارِ ، وقد روى أبو خيثمة زهير بن مُعَاوِيةَ قال : سمعت أَبا إِسْحَاقَ السبيعي يقول : أدركتهم وقمصهم إلى نِصْفِ الساق أو قريب من ذلك ، وكُمُّ أحدهم لا يُجَاوِزُ يَدَهُ ، انتهى .

وروى أبو داود عن أسماء بنت يَزِيدَ قالت : كانت يَدُ كُمِّ قَمِيصِ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى الرّسْغ ، وأما أحبُّ اللِّبَاسِ فما رواه أبو داود عن أم سلمة ، قالت : كان أحبّ الثياب إلى رَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم القميص ، انتهى .

وجاء في المُسْبِلِ وَعيدٌ شديد ، وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لرجل أَسْبَلَ إزاره : ( إن هذا كان يصلي وهو مُسْبِلٌ إزَارَهُ ، وإِن اللَّه لا يَقْبَلُ صَلاَةَ رَجُلٍ مسبل إزاره ) رواه أبو داود ، انتهى .

وقوله سبحانه : { وَكُلُواْ واشربوا } إباحة لما التزموه من تَحْرِيمِ اللحم ، والودك في أيام المواسم ، قاله ابن زَيْدٍ وغيره ، ويدخل في ذلك البَحِيرَةُ والسائبة ، ونحو ذلك ، نصّ على ذلك قَتَادَةُ .

وقوله سبحانه : { وَلاَ تُسْرِفُواْ } معناه : ولا تفرطوا ، قال أهل التأويل : يريد تُسْرِفُوا بأن تحرموا ما لم يُحَرِّمِ اللَّه عز وجل ، واللفظةَ تَقْتَضِي النهي عن السَّرَفِ مُطْلَقاً ، ومن تَلَبَّسَ بفعلٍ مباح ، فإن مشى فيه على القَصْدِ ، وأوسط الأمور ، فحسن ، وإن أفْرَطَ جعل أيضاً من المسرفين ، وقال ابن عَبَّاس في هذه الآية : أحلَّ اللَّه الأكل والشرب ما لم يكن سَرَفاً أو مخيلة .

قال ابن العربي : قوله تعالى : { وكُلُواْ واشربوا وَلاَ تُسْرِفُواْ } الإِسْرَافُ تَعَدِّي الحد ، فنهاهم سبحانه عن تعدي الحَلاَل إلى الحرام .

وقيل : [ لا يزيد ] على قَدْرِ الحاجة ، وقد اختلف فيه على قولين ، فقيل حرام .

وقيل : مكروه ، وهو الأصح .

فإن قدر الشبع يختلف باختلاف البُلْدَانِ ، والأَزْمَانِ ، والإِنسان ، والطعمان ، انتهى من «أحكام القرآن » .