الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{ٱرۡجِعِيٓ إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةٗ مَّرۡضِيَّةٗ} (28)

وقال قوم : النداءُ عند قيام الأجْسَادِ من القبور ، فقولُه : { ارجعي إلى رَبِّكِ } معناه بالبعثِ ، و( ادْخُلِي في عِبَادي ) أي في الأجْسَادِ ، وقيل : النداءُ هو الآنَ للمؤمنينَ ، وقال آخرونَ : هذا النداء إنما هو في المَوْقِفِ عندما يُنْطَلَقُ بأهل النار إلى النار . ( ت ) : ولا مانِع أن يكونَ النداءُ في جميعِ هذه المواطِنِ ، ولما تكلَّمَ ابن عطاء اللَّه في مراعاة أحوال النفس قال : رُبَّ صاحبِ وِرْدٍ عَطَّلَه عن وِرْدِهِ والحضورِ فيه مع ربه هَمُّ التدبيرِ في المعيشةِ وغيرِها من مصالحِ النفسِ ، وأنواعُ وَسَاوِسِ الشيطان في التدبيرِ لا تَنْحَصِرُ ، ومتى أعطاكَ اللَّه سُبحانه الفَهْمَ عنه عرَّفَكَ كَيْفَ تَصْنَع ، فَأَيُّ عبدٍ توفَّر عقلُه واتَّسَعَ نورُه نزلت عليه السكينةُ من ربّه فسكنَتْ نفسُهُ عن الاضْطِرَابِ ، وَوَثِقَتْ بِوَلِيِّ الأسبابِ ، فكانت مطمئنةً ، أي : خامِدَةً ساكنةً مستسلمةً لأحكامِ اللَّهِ ثابتةً لأقدارِهِ وممدودةً بتأييدِه وأنوارِه ، فاطمأنَّتْ لمولاَها ؛ لعلمِها بأنه يَرَاهَا : { أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ على كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } [ فصلت : 53 ] فاستحَقَّتْ أنْ يقالُ لها : { يا أيتها النفس المطمئنة * ارجعي إلى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً } وفي الآية خصائصُ عظيمةٌ لَها مِنْها ترفيعُ شأنِها بتَكْنِيَتِها ومَدْحِها بالطَّمْأنينَةِ ثَنَاءً منه سبحانه عليها بالاستسلام إليه والتوكلِ عليه ، والمطمئنُّ المنخفضُ من الأرضِ ، فلما انخفضتْ بتَواضُعِهَا وانكسارِها ؛ أثْنَى عليها مولاَها ، ومنها قوله : { رَاضِيَةً } أي : عن اللَّهِ في الدنيا بأحكامِه ، و{ مَّرْضِيَّةً } في الآخرةِ بِجُودِهِ وإنعامِه ، وفي ذلك إشارةٌ للعَبْدِ أَنَه لا يَحْصُل له أنْ يكونَ مَرْضِيًّا عند اللَّه في الآخرةِ حتى يكونَ راضِياً عن اللَّهِ في الدنيا ، انتهى من «التنوير » .