اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{ٱرۡجِعِيٓ إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةٗ مَّرۡضِيَّةٗ} (28)

قوله : { ارجعي إلى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً } ، أي : ارجعي إلى صاحبك ، وجسدك .

قاله ابنُ عبَّاسٍ وعكرمةُ وعطاءٌ ، واختاره الكلبيُّ ، يدل عليه قراءة ابن عباس{[60187]} : «فادخُلِي في عَبْدِي » ، على التوحيد .

وقال الحسنُ : ارجعي إلى ثواب ربك .

وقال أبو صالح : ارجعي إلى الله ، وهذا عند الموت .

وقوله تعالى : { رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً } حالان ، أي : جامعة بين الوصفين ؛ لأنه لا يلزم من أحدهما الآخر ، والمعنى : راضية بالثواب ، مرضية عنك في الأعمال ، التي عملتها في الدنيا .

فصل في مجيء الأمر بمعنى الخبر

قال القفَّال{[60188]} : هذا وإن كان أمراً في الظَّاهر ، فهو خبر في المعنى ، والتقدير : أن النفس إن كانت مطمئنة رجعت إلى الله تعالى ، وقال الله تعالى لها : { فادخلي فِي عِبَادِي وادخلي جَنَّتِي } ، قال : ويجيء الأمر بمعنى الخبر كثيراً في كلامهم ، كقوله : «إذا لَمْ تَسْتَحِ فَافْعَل مَا شِئْت » .

فصل في فضل هذه الآية

قال سعيد بن زيد : «قرأ رجل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يا أيَّتُها النَّفسُ » ، فقال أبو بكر - رضي الله عنه - : مَا أحْسنَ هَذَا يَا رسُولَ اللهِ ، فقَالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلَّم : «إنَّ المَلكَ سيقُولُهَا لَكَ يَا أبَا بَكر »{[60189]} .

وقال سعيد بن جبير : مات ابن عباس ب «الطائف » ، فجاء طائر لم ير على خلقه طائر قط ، فدخل نعشه ، ثم لم ير خارجاً منه ، فلما دفن تليت هذه الآية على شفير القبر ، لا ندري من تلاها : { يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً }{[60190]} [ روى الضحاك أنها نزلت في عثمان بن عفان رضي الله عنه حين وقف بئر رومة ]{[60191]} .

وقيل : نزلت في خُبيبِ بن عديٍّ ، الذي صلبه أهل «مكة » ، وجعلوا وجهه إلى «المدينة » ، فحوّل الله وجهه للقبلة .


[60187]:ينظر: جامع البيان 12/583، والكشاف 4/753، والمحرر الوجيز 5/482، والبحر المحيط 8/467، والدر المصون 6/523.
[60188]:ينظر : الفخر الرازي 31/160.
[60189]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/581) وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/588) وزاد نسبته إلى عبد بن حميد وابن حاتم وابن مردويه وأبي نعيم في "الحلبة".
[60190]:ذكره القرطبي في "تفسيره" (20/39).
[60191]:سقط من: ب.