فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{وَهِيَ تَجۡرِي بِهِمۡ فِي مَوۡجٖ كَٱلۡجِبَالِ وَنَادَىٰ نُوحٌ ٱبۡنَهُۥ وَكَانَ فِي مَعۡزِلٖ يَٰبُنَيَّ ٱرۡكَب مَّعَنَا وَلَا تَكُن مَّعَ ٱلۡكَٰفِرِينَ} (42)

فإن قلت : بم اتصل قوله : { وَهِىَ تَجْرِى بِهِمْ } ؟ قلت : بمحذوف دل عليه { اركبوا فِيهَا بِسْمِ الله } [ هود : 41 ] كأنه قيل : فركبوا فيها يقولون : بسم الله ، { وَهِىَ تَجْرِى بِهِمْ } أي تجري وهم فيها { فِى مَوْجٍ كالجبال } يريد موج الطوفان ، شبه كل موجة منه بالجبل في تراكمها وارتفاعها . فإن قلت : الموج : ما يرتفع فوق الماء عند اضطرابه وزخيره وكان الماء قد التقى وطبق ما بين السماء والأرض ، وكانت الفلك تجري في جوف الماء كما تسبح السمكة ، فما معنى جريها في الموج ؟ قلت : كان ذلك قبل التطبيق ، وقبل أن يغمر الطوفان الجبال . ألا ترى إلى قول ابنه : سآوى إلى جبل يعصمني من الماء . قيل : كان اسم ابنه : كنعان . وقيل : يام . وقرأ علي رضي الله عنه : ابنها ، والضمير لامرأته . وقرأ محمد بن علي وعروة بن الزبير : ابنه ، بفتح الهاء ، يريدان ابنها ، فاكتفيا بالفتحة عن الألف ، وبه ينصر مذهب الحسن . قال قتادة : سألته فقال : والله ما كان ابنه ، فقلت : إن الله حكى عنه إن ابني من أهلي ، وأنت تقول : لم يكن ابنه ، وأهل الكتاب لا يختلفون في أنه كان ابنه ، فقال : ومن يأخذ دينه من أهل الكتاب ، واستدل بقوله : { مّنْ أَهْلِى } [ هود : 45 ] ولم يقل : مني ، ولنسبته إلى أمّه وجهان ، أحدهما : أن يكون ربيباً له ، كعمر بن أبي سلمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأن يكون لغير رشدة ، وهذه غضاضة عصمت منها الأنبياء عليهم السلام . وقرأ السدي «ونادى نوح ابناه » على الندبة والترثي . أي : قال : يا ابناه . والمعزل : مفعل ، من عزله عنه إذا نحاه وأبعده ، يعني وكان في مكان عزل فيه نفسه عن أبيه وعن مركب المؤمنين . وقيل : كان في معزل عن دين أبيه { يابنى } قرئ بكسر الياء اقتصاراً عليه من ياء الإضافة ، وبالفتح اقتصاراً عليه من الألف المبدلة من ياء الإضافة في قولك «يا بنيا » أو سقطت الياء والألف لالتقاء الساكنين ؛ لأنّ الراء بعدهما ساكنة .