فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَهِيَ تَجۡرِي بِهِمۡ فِي مَوۡجٖ كَٱلۡجِبَالِ وَنَادَىٰ نُوحٌ ٱبۡنَهُۥ وَكَانَ فِي مَعۡزِلٖ يَٰبُنَيَّ ٱرۡكَب مَّعَنَا وَلَا تَكُن مَّعَ ٱلۡكَٰفِرِينَ} (42)

{ وهي تجري بهم } أي فركبوا مسمين والسفينة تجري ، والجملة مستأنفة أو حالية ولذلك فسره الزمخشري بقوله أي تجري وهم فيها { في موج } جمع موجة وهي ما ارتفع عن جملة الماء الكثير عند اشتداد الريح واضطرابه في خلاله { كالجبال } شبهها بالجبال المرتفعة على الأرض أي كل موجة منه كالجبل في تراكمها وارتفاعها وعظمها .

قال أهل السير : ارتفع الماء على أعلى جبل وأطوله أربعين ذراعا ، وقيل خمسة عشر ذراعا حتى أغرق كل شيء وعم العباد وشمل كل البلاد وما قيل من أن الماء طبق ما بين السماء والأرض وكانت السفينة تجري في جوفه كالحوت فغير ثابت .

{ ونادى نوح ابنه } هو كنعان وقيل يام وكان كافرا ، واستبعد كون نوح ينادي من كان كافرا مع قوله { رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا } وأجيب بأنه كان منافقا فظن نوح أنه مؤمن وقيل حملته شفقة الأبوة على ذلك وكان من صلبه على المعتمد .

وقال ابن عباس : هو ابنه غير أنه خالفه في النية والعمل وقيل أنه كان ابن امرأته ولم يكن ابنه ، ويؤيده ما روي أن عليا قرأ { ونادى نوح ابنها } وقيل أنه كان لغير رشده وولد على فراش نوح ، ورد بأن قوله هذا وقوله { إن ابني من أهلي } يدفع مع ما فيه من عدم صيانة منصب النبوة فإن جناب الأنبياء أرفع من أن يشار إليه بأصبع الطعن .

{ وكان في معزل } أي في مكان عزل فيه نفسه عن قومه وقرابته بحيث لم يبلغه قول نوح { اركبوا فيها } وقيل في معنى معزل من دين الله وقيل من السفينة . قيل وكان هذا النداء قبل أن يستيقن الناس الغرق ، بل كان في أول فور التنور قبل سير السفينة .

{ يا بني } أصله بثلاث ياءات ياء التصغير ولام الكلمة وياء المتكلم { اركب معنا } في السفينة أي اسلم واركب قال ملا علي الجيلاني : الظاهر أن معنى الآية أسلم لتستحق الركوب معنا .

{ ولا تكن مع الكافرين } في البعد عنا فتهلك معهم ، نهاه عن الكون معهم خارج السفينة ويمكن أن يراد بالكون معهم الكون على دينهم في الكفر والأول أولى لأنه عليه السلام بصدد التحذير عن الهلكة فلا يلائمه النهي عن الكفر .